هل لجان التظلم في الجهات الحكومية والقطاع الخاص «مظلومة»؟ لاشك في أن السؤال يحمل شيئاً من الغرابة، لكنه مستوحى من كلام موظف بحريني سرد فيها قصته مع لجنة التظلم التي استقبلت شكواه، ثم شكت منها، ثم اشتكت من أنها تنظر فيها، ثم جأرت بشكواها من أنها مظلومة لأنها لا تستطيع مساعدته!
بالطبع، لا يمكن أن نظلم لجان التظلم كلها في الجهات الحكومية والشركات، فبعضها يعمل بكل صدق وأمانة ونزاهة لمنع انتهاك حقوق موظف أو موظفة، وهي قليلة، فيما هناك لجان تجد نفسها «معوقة» خصوصاً إذا كان من انتهك حقوق الموظف «هامور» لا يضع للقوانين والأنظمة أي اعتبار.
وحتى نكون أكثر دقة ومعرفة بآلية لجان التظلم في الحكومة وفق المادة (45) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية الصادر بالمرسوم بقانون رقم (48) لسنة 2010، فإنها نصّت على أن تنشأ في كل جهة حكومية بقرار من السلطة المختصة لجنة دائمة للتظلمات تتكون من رئيس لا يقل مستوى وظيفته عن مدير وأربعة أعضاء على الأقل تختص بالنظر في التظلمات المقدمة من الموظفين غير شاغلي الوظائف العليا ومن في حكمهم من القرارات الإدارية التي تمس حقاً من حقوقهم الوظيفية وفقاً لعدد من الضوابط، حيث يشترط أن يكون رئيس وأعضاء اللجنة من الموظفين المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والسيرة الحسنة.
هناك تفاصيل كثيرة مهمة في المادة حول قرارات الأغلبية وحماية الموظفين الخاضعين لرئاسة أحد أعضاء اللجنة ومدة تظلم الموظف من قرار خلال خمسة عشر يوماً، وإخطار الموظف بقرار السلطة المختصة، و»في جميع الأحوال يكون للموظف المتظلم الحق في اللجوء إلى ديوان الخدمة المدنية أو إلى القضاء للطعن في القرارات النهائية التي تمس حقاً من حقوقه الوظيفية»، لكن هل تعلمون ما هي المشكلة التي تجعل موظفاً/ موظفةً تعرض للظلم من أن يمر في كل تلك الدوامة ويضرب (رأسه في الطوفه)؟ المشكلة هي الخوف من عواقب هذا الإجراء الذي ربما جعلهما في ترقب انتقام المسئول؟
قد يكون هذا الشعور خاطئاً، وقد يكون صحيحاً، إلا أنه في كل الحالات، لا يمكن قبول وصف لجان التظلم «المظلومة» التي لا حول لها ولا قوة في حماية الموظفين، وربما يعود السبب في كل ذلك إلى نقص توعية الموظفين بحقوقهم وضمان حمايتهم، ولا ننكر أن من أكثر الأحاديث التي تسبب الكآبة للإنسان تلك المرتبطة بالشكوى من الظلم أياً كان شكله وموضعه وقصته! وما أكثرها عدداً وأشدها ضراوة بين الموظفين البحرينيين، في القطاعين الحكومي والخاص على حد سواء، وهو الأمر الذي يترتب عليه من دون شك، سوء الإنتاجية.
كثيرة هي الشكاوى التي ترد إلى الصحافة من موظفين وموظفات وعمال تعرضوا لأسوأ أشكال التنكيل بسبب سوء تفاهم مع مسئوليهم أو لسبب خلاف بسيط – وطبيعي – وقع في وقت ما. ولا ندري ما الغاية من لجان التظلم التي تشكلت في معظم الوزارات والتي تتلقى خطابات واعتراضات الناس ثم تركنها في الأدراج أو تتعامل معها بأسلوب يزيد شقة الخلاف بدلاً من تصحيح الوضع، مع التقدير للجان المخلصة التي تعمل وفق الأنظمة لحماية الموظفين.
من الضروري الاهتمام بتثقيف الموظفين والموظفات وكذلك العمال في مجال قوانين العمل وأنظمته ولوائحه، وهذه نقطة مفصلية، إذ يتعرض البعض منهم لسلب الحقوق ولا يستطيع تحريك ساكن خوفاً من سطوة المسئول المباشر وانتقامه! ويحدث كثيراً أن يتقدم موظف ما بشكوى أو رسالة للمطالبة بحقه فيقع في شر أعماله ويواجه سوء العاقبة فتظلم الدنيا في وجهه ليتوجه إلى عمله مهموماً ويعود إلى زوجته وأطفاله مهموماً، وقلبه مليء بالخوف من المستقبل!
إن المشكلة تزداد صعوبةً حين تتعامل مع مسئول يعتقد أن إدارته أو قسمه أو المنشأة المسئول عنها هي ملكٌ شخصيٌ له يتحكم فيها كيفما يشاء، ويصدر القرارات بحسب هواه ويقر ما يشاء من أنظمة حتى وإن خالفت قوانين العمل!
مثل هؤلاء المسئولين ليسوا أهلاً لحمل الأمانة، لكننا في حاجة لتعامل صارم من جانب الجهات المختصة مع أي مسئول لا يحترم حقوق الموظفين، ويتلذذ بإظهار ساديته المريضة عليهم… فلا ينبغي تحطيم كفاءات وطنية بسبب شخص مهووس بالتنكيل بالناس.