تأسست الكويت قبل 250 عاما تقريبا، وأصبحت لها مكانة إقليمية بتولي مبارك الصباح الحكم مع نهاية القرن التاسع عشر. وبفضل عائدات التجارة وبيع اللؤلؤ، خلال القرن الـ 19 وبداية العشرين، إضافة الى موقع الكويت المهم نسبيا، اصبحت الكويت مأهولة. ومع اكتشاف الشركات الأميركية البريطانية النفط فيها مع نهاية الحرب العالمية الثانية زادت اهميتها، ولكن الإنتاج لم يبدأ إلا بعد نهاية الحرب بعام.
غيرت عائدات النفط، التي تنازل الشيخ عبدالله السالم عن «حقوقه الشخصية» في امتياز التنقيب عنها، والتي بدأت بالتدفق مع بداية الستينات، والانهمار مع بداية السبعينات، غيرت وجه الدولة، التي أصبحت خلال فترة وجيزة مصدر إشعاع ثقافي وسياسي وفني لجميع دول المنطقة، ولكن سرعان ما خبا نجمها، مع زيادة ثرواتها النقدية، وتصارع المصالح عليها وصعود «قمر» التيارات الدينية، التي عاثت خرابا في الحياة السياسية والثقافية، وتفرغت لتحقيق الثروات لجمعياتها وإثراء المنتمين اليها، وتسببت جميعها في تخلف الكويت في كل حقل تقريبا، وصعود نجمها في عالم الفساد وهبوطه في معدلات التنمية والتقدم والشفافية.
اليوم، وبعد أن انتهت تقريبا عملية توزيع العائدات النفطية بأكبر قدر من العدالة، حسب مقاييس المنطقة، تحولت الكويت من مجموعة مدن ساحلية وواحات صحراوية صغيرة ذات بيوت طينية في غالبيتها، تفتقر الى الطرق والمستشفيات والمدارس وكل شيء تقريبا، إلى دولة شبه عصرية، فيها كل شيء تقريبا، ولكن لا تزال تنقصها اشياء «تسر كثيرا»! وحدثت هذه النقلة النوعية في شكل الدولة من خلال قيام الحكومة باستملاك جميع المناطق المأهولة بالسكان، تقريبا، ومنها العاصمة، المنطقة الأكثر قدما في الكويت، وإزالة مبانيها وإعادة إعمارها حسب مخطط هيكلي جديد، وبالتالي أصبحنا نرى اسواقا ومباني جديدة ومنشآت حديثة في العاصمة، ولكنها إجمالا بقيت خالية من السكان، ولا تزال العاصمة الوحيدة في العالم التي لا يسكنها مواطنوها.
وبعد مرور نصف قرن تقريبا، وعظم الأموال التي انفقت على استملاك العاصمة وهدم كل قديم، فإنني فوجئت، من خلال إعلان نشر في جميع الصحف، وعلى صفحة كاملة، بمناسبة الأعياد الوطنية، تضمن تحديدا لنقاط تجمع الجمهور والمركبات، وورد ذكر المواقع التالية: الساحة «الترابية» مقابل شؤون القصّر. الساحة «الترابية» عند مخفر شرق. الساحة «الترابية» المقابلة لجمعية شرق. الساحة «الترابية» المقابلة لسوق شرق. والسؤال لماذا لا تزال هناك ساحات ترابية بكل هذا الاتساع؟ وهل كانت لجنة الاحتفال بالأعياد مجبرة على ذكر أن نصف عاصمتنا تقريبا لايزال ساحات «ترابية»؟