ردود الفعل الإيجابية على اللقاء التاريخي بين سلمان الشملان، الذي اعتذر عن محاولته اغتيال عبدالله النيباري في سنة ١٩٩٧، وبعد قضائه ١٧ سنة في السجن، كانت رائعة. فعل الاعتذار من سلمان، وفعل التسامح من عبدالله، خلقا شعوراً مريحاً يبدو أننا كنا بحاجة إليه. فأغلب النخب السياسية والإعلامية تبذل ما بوسعها لتعزيز خطاب إقصاء الآخر، وتهميشه، حتى أصبحت فكرة التسامح، والاعتذار عن الخطأ نسياً منسيا، بل أصبحت فكرة التسامح عنواناً للضعف، بينما هي عنصر قوة، فالمتسامح أقوى بكثير من المتعنت المكابر.
استطعنا من خلال نموذج سلمان وعبدالله أن نضرب مثلاً بأن التسامح ممكن حتى عن الأفعال الكبيرة كمحاولة الاغتيال، فما بالك بأفعال أقل. كما استطعنا أن نثبت أن إفشاء السلام في المجتمع أمر ممكن بأقل التكاليف، وله جدوى اقتصادية واجتماعية وسياسية ومعنوية ونفسية. أما خطاب الكراهية بالمقابل، وأياً كان مصدره أو محور ارتكازه، فهو الذي يستغرق البشر، ويتعب الروح والجسد، روح الكاره والمكروه، وتنفق عليه الأموال الطائلة وتستخدم فيه الأسلحة من أبسطها إلى أسلحة الدمار الشامل، وهي أسلحة في محصلتها قمة الكراهية للآخر، وإفناء عشوائي للبشرية، سعياً لهيمنة مزعومة وسيطرة مشؤومة.
وعلى عكس ما تبدو عليه ثقافتنا من عنف ظاهري، وبالذات في الحقبة الحالية، فإن جذور التسامح وقبول الآخر حتى في فكرنا العربي الإسلامي لها أصولها، والتي سنفصلها لاحقاً، فمن «حلف الفضول» إلى «دستور المدينة أو الصحيفة»، إلى «صلح الحديبية» إلى فتح مكة و»اذهبوا فأنتم الطلقاء» إلى «العهدة العمرية» إلى «وثيقة فتح القسطنطينية». أما اليوم ومنذ تأسيس الدولة القومية في القرن السابع عشر فإنه لم يعد ممكناً قيام دولة ذات معنى، إلا على مبادئ التعايش السلمي وقبول الآخر والتسامح، وهو الذي بات جلياً في عصر ما بعد «الحرب الباردة»، وصار يعرف باسم العدالة الانتقالية، فجاء في خضم ذلك نموذج نيلسون مانديلا بعد سجنه ٢٧ سنة، وتسامحه مع سجانه أمام الإعلام، ومن ثم تأسيس مفهوم لجان الحقيقة والمصالحة التي أصبحت أهم وسيلة للدول التي دمرتها الحروب والكراهية والتطرف والعنصرية، للعبور إلى بر السلام.
وهكذا مكننا اعتذار سلمان، حتى بعد خروجه من السجن، وتسامح عبدالله دون شروط، من إعلاء قيمة التسامح والاعتذار، كفضيلتين لا كنقيصتين، ونأمل أن تنمو تلك البذرة وتزهر خيراً لتصبح ظلاله وارفة، وتصبح هي القاعدة، وعداها استثناء، والحمدلله على كل حال.