هي أطول استراحة في تاريخي، وجغرافيتي. جلست خلالها تحت شجرة، في مكان قصيٍّ، أُعيد ترتيب صفوف قواتي، وأبثّ فيها ما تيسر من سموم وعزوم.
ومن باب تخفيف المشاكل، وتقليل عدد القضايا، فكّرت في الكتابة بطريقة “العقلاء”، وقيادة السيارة بيديّ الاثنتين، والالتصاق بالمقود، ومد الحنك إلى الأمام، وإغلاق راديو السيارة، والسير على الخطوط الأرضية، والتركيز بشدة على الطريق، كما تفعل تلك السيدة، بحجابها الأبيض، وخدّيها المنتفخين، التي تجاوزت الخمسين من عمرها، منذ نحو سبع سنوات، والتي لا تبالي بتعطيل الشارع، ولا بـ”الهرنات”. المهم ألا تتجاوز الخطوط الأرضية.
صدقاً، أيقنتُ أن سيارتي لن يصيبها مكروه، وأنا أتبع خُطى تلك السيدة، وأدركتُ أن شرطة المرور إنْ اجتمعت عن بكرة أبيها، وقررت مخالفتي، فستعجز، وتلطم، وتنوح، وتنام على لحم بطنها.
ولا أدري كيف، في ثوانٍ معدودات، وجدت نفسي أقود السيارة بيد واحدة، وأُبعد الكرسي عن المقود، وأعيد حنكي إلى الخلف، وأشعل السيجارة، وأسند رجلي اليسرى على الباب، وأرفع صوت الراديو، وأردد مع الفنان اللبناني “ع الهوارة الهوارة”، وأملأ الشوارع صخباً وضجيجاً، كما يفعل صيّاع نابولي وضيّاعها.
هكذا في لحظة، انتقلت السيدة المحجبة الفاضلة ثقيلة الدم، إلى نابولي، واستبدلت سيارتها البيضاء الصغيرة الهادئة، بسيارة رياضية، يسمع صوتَ محركها مَن في أذنه صممُ.
وعلى بركة الله، نسنّ القلم، ونتفقد حماسة المحامين الأعزاء، ونبدأ الغناء… ع الهوارة الهوارة.