الوزيرة الفاضلة هند الصبيح – بصفتها عضواً رئيساً في الفريق الثنائي لمتابعة المشاريع الاستراتيجية في مجلس الوزراء – سجلّت موقفاً تاريخياً يتسم بالشجاعة السياسية عندما ألغت مشروع المطار؛ لما شاب هذه الصفقة من شبهات سواء على صعيد الإجراءات أو المواصفات أو الكلفة المالية، وكانت موجة من الغضب الشعبي العارم قد صاحبت الإعلان عن القيمة الأولية لبناء مطار جديد بما يتجاوز المليار ونصف المليار دينار كويتي، أي ما يعادل خمسة مليارات وخمسمئة مليون دولار!
قرار السيدة أم أحمد والفريق الاستشاري الذي استعانت به تشكر ويشكرون عليه، وقد يكون بصيص أمل في طريق الإصلاح الذي ينادي به الجميع لمدة عقود من الزمن، على الرغم من أن رائحة التنفيع والجرأة في المطالبة بأرقام فلكية وضرب الإجراءات الإدارية والقوانين المنظمة للمناقصات أصبحت من المسلمّات في الكويت، وتتمتع بمظلة واسعة من الحماية السياسية والغطاء الإعلامي.
حتى نقارن حجم المأساة في مشروع المطار الذي تم إلغاؤه نسوق مثالين متقاربين: الأول مطار دبي الدولي الذي يشار إليه بالبنان ويعد إحدى عجائب دولة الإمارات العربية المتحدة، ولعل معظم الكويتيين قد نزلوا في هذا المطار، فكلفة هذا المطار المكوّن من أربعة محطات رئيسة (ترمينال) لم تزد على أربعة مليارات دولار مقابل خمسة مليارات ونصف المليار لترمينال كويتي واحد!!
المثال الآخر هو مطار سنغافورة الجديد وأتمنى من جميع المهتمين أن يزوروا الموقع الإلكتروني ليروا هذه التحفة المعمارية المرتقبة، وهذا المطار الذي يضاهي خمسة مطارات كويتية في حجمه وصل سعر تكلفة بنائه إلى أربعة مليارات دولار أيضاً، أي بالحسبة الكويتية كان هذا المشروع سيصل إلى عشرة مليارات دينار كويتي أو ما يعادل ثلاثين مليار دولار!
السؤال إلى متى هذا المسلسل المجنون؟ ومن يتصدى لهذه الآفة؟ وما الخافي في مشاريع أخرى ليست تحت مسؤولية أمثال هند الصبيح؟! وأتمنى على الأخت الوزيرة أن تكمل معروفها، وأن تبادر إلى تبني أحد المطارين المتميزين في دبي أو سنغافورة وذات الشركات المنفذة لهما حتى يكون التحدي حقيقياً، وتثبت أن البديل الأفضل موجود دائماً، ومتى ما توافرت الإدارة يتحقق الحلم.
في المقابل ورغم اعتراضنا على الكثير من السياسات الحكومية وفشلها في حل الكثير من المشاكل أو التصدي لمظاهر الفساد، فإن مثل هذه الجهود والاجتهادات الفردية من بعض المسؤولين تستحق الإشادة وتتطلب منا كرأي عام أن ندافع عنها، لأن الخشية هي أن تدفع الوزيرة هند ضريبة هذا القرار من بوابة اتهامها بالانتماء أو التعاطف مع تيار إسلامي ديني فيتم الانتقام منها سياسياً، فتطير كما طار مشروع المطار، ولكن نقول لها بيّض الله وجهك في كل الأحوال!