لم يكن مشهد «إحراق» الطيار الأردني معاذ الكساسبة كجريمة من أبشع الجرائم التي نفذها تنظيم «داعش» الإرهابي هو المشهد الوحيد من بين عدد لا حصر له من المشاهد البشعة على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما موقع «اليوتيوب»، إلا أنه يضاف إلى هستيريا تشويه الدين الحق على يد «دراكولا» المتلبس بعباءة الإسلام.
طرحت مع مجموعة من طلبة الإعلام، ونحن نناقش قائمة أفكار لاختيار فكرة رئيسية لدراسة علمية، فكرة تحليل عينة عشوائية من مشاهد القتل الإجرامية البشعة المنتشرة على وسائل الإعلام الجديد وتأثيراتها على المجتمع الإنساني بشكل عام من جهة، ومنطلقات اعتبارها كعوامل لتشويه الدين الإسلامي من جهة أخرى، وقياس فعل التصدي من جانب علماء ومفكري الأمة ومؤسساتها العلمية والأكاديمية. ولم يكن الأمر صعباً مع شديد الأسف والأسى، فخلال مدة أسبوع واحد، كان بين أيدينا مئات الروابط البشعة لمن يدعون الإسلام ونصرة الدين وحماية الأمة، ولو شاءت المجموعة الاسترسال لوصلت روابط جرائم أهل الإرهاب إلى آلاف بل مئات الآلاف.
على ذات المسار، كان الزميل سعيد الزهراني من صحيفة (الوطن أونلاين) السعودية قد طرح بحثاً حول غياب المعيار القانوني لمعاقبة ناشري المشاهد الدموية، وعلى الرغم من أهمية الموضوع، إلا أن حسابات تنظيم «داعش» الإرهابي وسائر الحسابات التي تديرها الجماعات الإرهابية في كل العالم، لا يمكن السيطرة عليها وفق قوانين محلية. إن الشركات العملاقة في نطاق الإعلام الإلكتروني لديها بالطبع قوانين منظمة لكنها تعتمد على المبلغين وفق أسباب مقنعة لاتخاذ قرار الحجب. ويبقى القرار لها في نهاية الأمر، فلربما تاجرت هي الأخرى بمثل هذه الحسابات.
الزميل الزهراني تناول ما تحفل به مواقع التواصل الاجتماعي من صور ومقاطع لمشاهد مروعة تجسد وقائع تعذيب وقتل، وغيرها من الانتهاكات التي تحدث في مناطق عدة بالعالم، ناقلاً دعوة أستاذ علم النفس الإكلينيكي بجامعة الملك سعود بالرياض عبدالله الحريري بمقاضاة كل من ينشر الصور والمقاطع المؤلمة وصور التعذيب أو القتل، وغيرها من السلوكيات الشاذة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها تنافي الفطرة السليمة، وتؤثر في النفوس، وقد تتسبب في صدمات نفسية يصعب علاجها، وخصوصاً للأطفال والنساء، ورقيقي المشاعر.
ولكن، في أية خانة يمكن تطبيق تلك الدعوة على جرائم الإرهابيين من كل الفصائل والجماعات المسلحة التي تدعي انتماءها للإسلام وهو منها بريء، وهي جرائم أصبحت اليوم تعتمد على وسائل الإعلام الجديد، تبدأها في بعض الأحيان بالأناشيد الدينية الممسوخة، وتتاجر بآيات القرآن الكريم، وتنهيها بأحاديث نبوية شريفة أو بكلمات أو فقرات من كتب مشايخ الإرهاب؟
لاشك في أن الدراسات العلمية ذات القيمة العالية مهمة، حتى وإن لم تكن ذات تأثير مباشر في سلوكيات المجرمين، فهي ضرورة للساحة العلمية خصوصاً في منطقة الخليج والعالم العربي، إلا أن شخصية «دراكولا» المنتسب إلى الإسلام جوراً وباطلاً، متمثلاً في التنظيمات الإرهابية هو عنصر مهم وفعال بالنسبة لدول وتنظيمات وأقطاب قوى أقليمية. لهذا تحظى تلك التنظيمات بالدعم المالي واللوجستي والمساحة الإعلامية الهائلة على مستوى العالم.
لكن، لنتحدث بصراحة مطلقة ونوجه أصابع الاتهام إلى وسائل ووسائط إعلامية فضائية وإلكترونية في منطقة الخليج والعالم العربي، كانت ولا تزال داعمة لمسار تشويه الدين الإسلامي من خلال التبرير لجماعات الإرهاب، وتقديم مصطلح «الجهاد» والتكبير الزائف المولغ في سفك دماء أبناء المجتمعات الإسلامية، بكل أديانهم وطوائفهم، والبعيد عن الصهاينة وأعداء الإسلام الذين يرون في أولئك السفاكين موجة داعمة لاستقرار الكيان الصهيوني.
دول الخليج، والدول الإسلامية بشكل عام، تتيح مع شديد الأسف مجالاً كبيراً للخطاب التكفيري العنيف المضاد للإسلام، وتمنح التراخيص والحماية لقنوات فضائية ومواقع إلكترونية وإدارة حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أن مقطعاً ظهر فيه شخص مصري ملتح يهدد الشركات والسواح والعباد والبلاد، بعد فترة حددها من الزمن، بالويل والعذاب والقتل وسفك الدماء، وتبين أن ذلك الشرير يتحدث في قناة فضائية تبث من تركيا!
سؤال أضعه في الخاتمة بكل استغراب: «ألا يستطيع وزراء الإعلام في دول مجلس التعاون والعالم العربي والإسلامي، أن يعقدوا اجتماعاً متواكباً مع الحرب المزعومة على الإرهاب، ليصيغوا بياناً خاصاً بموقف موحد لاستئصال الإعلام الإجرامي وتطويق إعلام الجماعات الإرهابية والخطاب الطائفي؟ ما الذي يمنعهم؟ هل تنقصهم القدرات الفنية والإدارية والمالية؟ أبداً، إنما الخوف من «دراكولا» تارة، ومحاباته وحمايته تارات أخرى… هو ما يجعلهم في اضطراب، ولا ندري، هل ماء في فهمهم أم دم؟.