ممن يسخر محمد العجمي “بوعسم”؟! لم تكن ابتسامة عابرة من معتقل رأي والكلبشات تزين معصمه. يبدو أنه كان يضحك متهكماً من أعمق أعماق ذاته، ولكن لماذا يضحك هذا السجين؟ هل كان يضحك أم كان يسخر، أم يتهكم، أم يمارس الرفض للقيد ولاعتقال الفكرة؟ أم كان يحلق عالياً فرحاً في سماء حرية زرقاء بلا نهاية لا يعرفها سجانوه؟!
ماذا نفهم من ذلك “الصعلوك” كما لقبه مرة محمد الوشيحي؟ “صعلكة” بوعسم تعني رفض الهيمنة والسلطة والأغلال، فالشعراء الصعاليك هم الذين رفضوا سلاسل القبيلة في زمن مضى، وصعلكة “بوعسم” اليوم لعلها رسالة احتجاج على قيود القانون أو ظلم القانون وجوره، فهل كان “بوعسم” يسخر من الذين شرعوا تلك القوانين، يسخر من السلطة التي تجثم على صدره وصدور الأحرار، تقيده، وترمي به في زاوية زنزانة مظلمة لعله يتأدب، ويرتدع، ويزن كلامه ويفكر قليلاً قبل أن يغرد، طبعاً حين يغرد خارج سرب السلطة، خارج سرب “البشوت” الملتفة على أجساد ضخمة وسمينة وملتصقة على الصفحات الأولى لجرائدنا؟!
هل أرادت وزارة الخارجية الكبيرة، وزارة السيادة والدبلوماسية والكياسة أن تلجم “بوعسم” وتشل جناح حريته فلا يحلق بعد ذلك أبداً؟ ولماذا تضع وزارة كبيرة ذات سيادة ونيافة رأسها برأس شاب بسيط، كل بضاعته هي الكلمة ولا يملك غيرها، ليس له أرصدة مليونية في حسابات خارجية ولا داخلية، وليس من علية القوم الذين تحشد وترص لهم أضواء الكاميرات وتتعقبهم الأخبار “الكبرى” حين يرسمون على وجوههم ابتسامات صفراء، ابتسامات وضحكات تتمدد على وجوههم حسب حجم المناسبة، فلكل مناسبة ابتسامتها الرسمية، ولكل ظرف بائس فرحة كاذبة، هم لا يعرفون أن يضحكوا ساخرين من ظلم القدر، وظلم البشر، هم لا يدركون معاني التفرد ولا رسالة الرفض، ولا ضحكات الساخرين الرافضين أن يكونوا رقماً من أرقام القطيع، يصعب عليهم أن يضحكوا مثل “بوعسم”، فتلك ضحكة الأحرار لا يمكن أن يحاكيها أهل السمع والطاعة… لماذا كان “بوعسم” يضحك في قيده؟ أحاول أن أسبر غور تلك الضحكة العميقة فأعجز.