أمر بسيط جداً وعادي الاتهام بالتزوير أو التحايل على النصوص القانونية بقصد الربح من عمل تجاري، وبفرض أنه مخالف للقانون. فلا أحد يقيم وزناً اليوم لتلك «النجرة» التي حدثت بين نائبين في المجلس، قبل ثلاثة أيام اتهم أحدهما الآخر بتسجيل محلات تجارية باسم الزوجة، وامتنع عن دفع الإيجار المستحق، فيرد عليه الآخر بأنه ليس أحد الذين يزورون تقرير المناقصة أو تقارير نيابة المخدرات…! أياً كان عليه أمر المشادة بين النائبين، التي انتهت بلفظة «تت، تت» بالعامية الكويتية، التي نزجر بها عادة قطاً ثقيلاً حشر نفسه على أهل البيت، لا أحد، آخر الأمر، سواء كان من النواب الجالسين أو من الوزراء المتفرجين أو حتى الكثير من جمهور الناخبين يكترث حقيقة لمثل تلك الاتهامات التي قد تكون صادقة أو مجرد استفزازات كلامية ترتبط بذكريات مشاجرات طفولية… فالناس بالكويت ومن على شاكلتها في قضايا النهب من الأملاك العامة والتسيب في إدارة المرفق العام اعتادوا سماع أخبار جرائم كبيرة تدور حول استغلال نفوذ وتربح ورشا، وكلها تستنزف الأموال العامة، وتنتهي في الأغلب بطريق مسدود لخطأ في القانون أو في تطبيقه أو لغياب الجدية في ملاحقة الفاعلين، حين تختصر الملاحقة على شكليات رمزية يتم فيها استعراض نجومية بعض كبار المسؤولين على صفحات الجرائد، وكأن قضية فساد المرافق العامة ونهبها أضحت قضيتهم الأولى والأخيرة، أو تغلق ملفات تلك القضايا بحقيقة أن الفاعلين وجدوا طريقة ما وهربوا خارج حدود الدولة، فتنتهي الأمور عندها بأن أهل السلطات العامة قاموا بواجبهم كما يتطلب القانون، فلا تطلبوا منهم أكثر من ذلك… وهكذا ينتهي فصل سمج من فصول مسرحياتنا الرسمية.
ماذا يعني تزوير مناقصة أو تأجير محل باسم الزوجة من قبل هذا أو ذاك النائب أمام حكايات لا تنتهي عن «شطار» ظلوا في وظيفتهم العامة عشرات السنين، ومر عليهم عدة وزراء وكانوا (الشطار) دائماً فوق الشبهات، فقد عرفوا كيف يمكن تضليل القانون والعدالة، التي أضحت حقيقة عمياء، وليس كما يشهد تمثالها الرمزي، فهنا مرض العمى يصيب العدالة، فلا تشاهد الكبار وجرائمهم، ولكنها تهوي بسيفها البتار على شباب كتبوا أو غردوا خارج السرب، وخرجوا عن الطوع… أو ربما عرف الشطار سبل «تضبيط» الكبير والصغير، حين كانوا في الوظيفة العامة، وأنتم، طبعاً، تعرفون حكمة أنه إذا أطعمت الفم تستحي العين، وقبل أيام، مرت علينا، في الصحافة، وكانت تعرض الأمر بحياء كبير، حكاية أحد هؤلاء الشطار، وهو كان واحداً من كثيرين في بلد تستحي فيه العيون.
هرب ذلك القط، وهرب قبله قطط سمان لا حصر لهم، لا يخشون ولا ينفرون من لفظة «تت»… فقد أدركوا من زمن طويل أنه لا شيء بعد الـ«تت».