انا كتبت مقال امس الاول «حلاة الروح» بعجالة تحت الانطباع العفوي بأن كتلة الاغلبية «البائدة» ستتجمهر في ساحة الارادة انتصارا لرسول الله يوم امس الاول الاثنين. لم يخطر ببالي ان الجماعة «ماخذين راحتهم»، وان الغيرة المزعومة على رسول الله عندهم منضبطة ومضبطة او بالاحرى مسيسة. وان الدعوة هي للتجمهر بعد اسبوع من الآن. فهم يريدون ان يحشدوا، او هكذا يتراءى لهم، فالانتصار للرسول والرد على هجمات الشرك والكفر مبرمج ومسيس عندهم. وليس رد فعل طبيعياً وعفوياً. هو بحاجة الى حشد وتنظير ودعوات حاله حال اي امر او موضوع سياسي ينظرون وينظمون له.
بما ان الجماعة «ماخذين راحتهم» ولديهم اسبوع كامل للحشد المؤمل، وايضا للتأهب والتنظير، بما ان الامر كذلك، فانا اصر على مواصلة تحديهم بان يشرحوا ويفلسفوا ويبينوا لنا كيف تمت الاساءة للرسول، وكيف لتجمهر في ساحة الارادة ان يمحو هذه الاساءة؟!
الدعوة العصرية والسياسية، التي من المفروض ان تتبناها مجموعة سياسية منظمة وواعية تتطلع، مثل جماعة الاغلبية لادارة الدولة وتشكيل الحكومة المنتخبة، الدعوة العصرية للرد على هجمات معادية للاسلام يجب ان تتم بوصفها كذلك. او بشكل اكثر دقة، يجب ان تكون تحت دعاوى ومقاصد حفظ حقوق المسلمين واحترام مشاعرهم. دعوة مثل هذه مقبولة لانها واقعية وحقيقية. دعاوى الاساءة للرسول او الصحابة او امهات المؤمنين، التي برع في اثارتها العنصريون الدينيون، هي في حقيقتها دروشة واوهام دينية لا تمت للواقع بصلة ولا تستند الى اي قانون مدني يدعمها او يؤكدها. ربما عندنا بوصفنا دراويش دين، حالنا مثل حال الاغلبية المبطلة. ولكن ليس عند العالم الواقعي المسير على قوانين ونظم وعلاقات سياسية واجتماعية واقعية وملموسة.
احلى ما في بيان ودعوة الاغلبية هو المطالبة بتشريع قوانين اممية تجرم المساس بالانبياء والرسل والمقدسات السماوية، يعني المادة 19 من قانون المطبوعات الكويتي، سيئ الذكر على شكل عالمي! مشروع القانون هذا، الذي يذكرنا بقانون اعدام المسيء للذات الالهية، الذي اقرته ذات الاغلبية «الديموقراطية المؤيدة لحرية الرأي» في مجلس 2012، غير مقبول مدنيا لانه يمنح كل طرف ديني، ايا كان، دينا سماويا او غير سماوي، يمنحه حق المطالبة بوقف عبادات الآخرين او تغيير مفاهيمهم وعقائدهم لأن الايمان بها هو، ببساطة، انكار لبقية الاديان وتكفير للآخرين.
ليس هذا وحسب.. بل ان قانونا مثل هذا يحصن الاديان والعبادات المختلفة ويضفي عليها الالوهية. وهذا بحد ذاته يتنافى مع الاسلام الذي جاء دينا للعالمين.