تماماً كما أن عدد قراء المقالات الساخرة (بشرط أن تكون محبوكة بعناية)، والمقالات الخفيفة، يفوق عدد قراء المقالات الجادة، أو التحليلية العلمية.. قررت إحدى الباحثات الكويتيات، عرض تقريرها عن «البدو والبداوة»، الذي تساءلت فيه؛ «مَن هم بدو الكويت؟»، بطريقة خفيفة على المعدة. وفيه عرضت مجموعة من الإجابات عن هذا التساؤل.. فثار جدل.
الجدل ثار، أو دار، حول مستوى التقرير، فقائل: «سطحي ومسلوق على عجالة»، وقائلة: «فسرت الماء بعد الجهد بالماء»، وثالث: «تقرير خفيف على المعدة، مليء بالبهارات اللذيذة»، ورابع: «استفدت منه كثيراً»، وخامس وسادس وعاشر..
ولن آتي بجديد إن قلت إن من رآه تقريراً سطحياً مسلوقاً، لا جديد فيه، هم بعض أبناء القبائل، الذين، بالتأكيد، يعرفون مسبقاً كل، أو جل، ما طرحته الباحثة د. العنود الشارخ. في حين أبدى بعضهم، أقصد بعض أبناء القبائل، إعجابه بالتقرير، لإدراكه بأن كثيراً من «الحضر» لم يسمعوا بهذه المعلومات من قبل.
عن نفسي، أرى أن تقرير العنود «حبة شوكولاتة». صحيح أنها حبة لا تُشبع، لكن طعمها لذيذ، وتمنح السعادة، بحسب الدراسات الغذائية.
ولو أن العنود عرضت تقريرها عن البداوة بطريقة تحليلية قاتمة، ولغة مليئة بالجداول، والمصطلحات الفيزيقية الميرتوبولوجية، المرتبطة بديناميكية محشوة بالتيرمومنتاليجي، أو كما أسماها الساخر الكبير المرحوم محمود السعدني: «اللغة الحنجورية الجعورية».. ما كلف أحد نفسه عناء الالتفات إلى تقريرها.
وكم من باحث، قبلها، نشر تحليله وتقريره، عن البدو والبداوة، على الحبال، فطارت بها الرياح، والناس نيام.
على أن البداوة، في نظري، تنطبق على كل من يقتني الإبل، بشرط أن يتنقل بها من مرعى إلى آخر، استناداً إلى المواسم وحالات الطقس. وما زلت أتذكر سؤالاً وُجّه إلى أحد كبار السن عن أحوال أبنائه، فأجاب: ولدي الدكتور فلان «تبدوى». أي أنه اقتنى الابل، وصار يقضي وقتاً طويلاً معها. أما ابني فلان، فغارق في تجارته..
ومن الظلم البواح، أن أعتبر، على سبيل المثال، شقيقي خالد، بدوياً، وهو الذي لا يفرق بين البعير والناقة، ولا يميز بين «العرفج والرمث والثمام» وغيرها من النباتات التي تفضلها الإبل (بالمناسبة، الكاتبجي، وغيره كثير من أبناء القبائل، لا يميزون بين هذه النباتات أو معظمها).