قبل رفع الدعم عن الديزل، كانت جريمة تهريبه إلى خارج الدولة عادية تافهة، ولم تكن تلك الجريمة تثير اهتمام الناس في بلد «المال السايب يعلّم السرقة»، الجريمة تتم ببيع سلعة مدعومة من الدولة، بغرض توفير التكلفة على المواطن لمؤسسات وأفراد بالخارج يكون الديزل فيها أغلى ثمناً من سعر الدعم.
الضحية هنا هو المال العام الذي لم يعد يكترث كثيرون من أجله بعد حملات القمع والملاحقة والسجن الاحتياطي لكل من «تسول له نفسه» (تعبير سلطوي بامتياز)، أن يغمز من قناة الذمة لكثيرين من رجال السلطة أو المتحلقين حولهم، ويتهمهم بتبديدهم للثروة العامة، الآن، يقال إن التهريب أصبح للداخل من مؤسسات وشركات، بعد أن وضعت الحكومة سعرين للديزل، واحد مدعوم بـ ٥٥ فلساً، والآخر السعر الرسمي، أي ١٧٠ فلساً.
وهناك من يتوقع أن تشرع بعد فترة لعبة تداول بيع «الجتاتي»، أي بيع كروت الدعم بالسوق السوداء، أي سيخلق اقتصاداً موازياً ينافس الاقتصاد الرسمي، كان اقتصاد الظل في الماضي، ربما قاصراً، على «الماجلة» التي تصرفها الجمعيات التعاونية، وأصبح الآن شاملاً لأثمان الطاقة.
مثل قضية الديزل والكيروسين تظهر لنا حيرة السلطة وترددها في اتخاد قرار حاسم بإلغاء الدعم من عدمه، فإذا كانت الحكومة اليوم فشلت في مسألة «بسيطة» مثل الديزل والكيروسين، لمجرد أن اعترض البعض على رفع الدعم، فماذا ستفعل في الأيام القليلة القادمة، مع استمرار مصيبة تهاوي النفط، مصدر دخل الدولة الوحيد، غير نسجها لأحلام وأوهام عودة أسعار النفط للأيام الخوالي؟!
كم مرة، كررت في هذه الزاوية، عن فشل السلطة الكبير بإدارة المرفق العام حين كانت أسعار النفط «فوق النخل» وعجزها عن القيام بأي إصلاح اقتصادي في ذلك الوقت، فماذا عن اليوم، وأمامها تحدّ وجودي، أي يتعلق بوجود اقتصاد حي يوفر الحد الأدنى لحياة كريمة للناس، سلطة تقرر أمراً في المساء، وتتراجع عنه في الصباح؟
هل تخشى سلطة «لن نحمّل المواطن شيئاً» أن تفقد شعبويتها وجماعتها؟! مجلس «أمتها» بجيبها، فأي شعبية تبحث عنها، ومتى تبدأ إصلاح إدارتها؟، الإصلاح اليوم ليس ترفاً، وإنما ضرورة كي تستمر الدولة، مهما بلغت من تضحيات يدفعها المواطنون.
هؤلاء المواطنون، قد يتألمون قليلاً أو كثيراً، إذا ارتفع، مثلاً، سعر رغيف الخبز الإيراني من 20 إلى 30 أو 40 فلساً، وحتماً سيزيد ألم أصحاب الدخول البسيطة حين يرتفع ثمن كيس الأسمنت، ويصبح بناء ملحق لأسر أبنائهم العاجرين عن شراء قطعة أرض صغيرة مكلفاً، إلا أنهم في النهاية سيتقبلون تكلفة الديزل والكيروسين والبنزين والكهرباء، شريطة – كما كررت – أن تدفع النخب التي انتفخت بطونها من المال العام بعضاً من فواتير التضحيات، فمن غير المعقول أن يطالع المواطن خبراً صحافياً، عن قيادي سابق كان جزء من ثروته المحجوزة بحكم قضائي في سويسرا أكثر من مليار دينار، ويصمت العديد من الموالين والمعارضين، مع الأسف، أمام هذه الفضيحة، ولا يقول أحد منهم «من أين لك هذا»؟
بينما تطلب السلطة من عيال «طرق الراتب» تحمّل تكلفة تهاوي النفط!
كان هذا قيادياً سابقاً، وهناك من المؤكد قياديون سابقون وحاليون وجماعات «أم أحمد العجافة»، ليس من شأنهم تهاوي النفط أو انهيار الدولة، فـ «كبتات» أمهاتهم متخمة من التكسب من المال العام واستغلال النفوذ وغسل الأموال… صلحوا أموركم يا سادة.