على غير العادة وبخلاف اليوم الأسبوعي المحدد للمقال أكتب اليوم عن موضوع أخذت الدولة تتوسع فيه وبشكل سخيف ومزعج. فقد باتت تهمة الإضرار بالعلاقات مع الدول الصديقة سلاحاً تستخدمه الدولة تجاه من لا تعجبها توجهاته وآراؤه، لتغدو تلك التهمة بذلك وسيلة لتحديد ما نقول أو نكتب أو نعبر عنه بأي وسيلة من الوسائل. لنضع قضية الدول الصديقة أولاً تحت المجهر، فمن هم أصدقاء الكويت من دول العالم، حسب علمي لا يوجد دولة عدوة للكويت اليوم عدا الكيان الصهيوني، ولا أعلم أمانة إن كنا نعتبر ذلك الكيان دولة أم لا، فإن لم نكن نعتبره دولة فكل دول العالم أصدقاؤنا، وإن كنا نعتبره دولة فهذا يعني أننا أصدقاء مع ما يفوق الـ190 دولة، وهو ما يعني حسب مفهوم الدولة اليوم أننا إن أردنا الانتقاد فلا نملك سوى الكيان الصهيوني، إن اعتبرناه دولة، وإن لم نعتبره دولة فليس من حقنا انتقاد أي دولة في العالم، ويجب أن نعجب بالنظم الرأسمالية والشيوعية والدكتاتورية والديمقراطية والدينية والعلمانية والانقلابية، وكل الأنظمة تكون محل إعجاب، ولا خيار لنا دون ذلك!! وفق منطق الدولة الأعوج فإن "درب الزلق" أضر بعلاقتنا مع مصر عندما صور فؤاد ابن سعيد باشا بالمحتال، وكذلك هي الحال عندما يقلد داود حسين كل الجنسيات، أو عندما تنتقد صحافتنا جالية من الجاليات في الكويت. من غير المعقول أن تطلب الدولة مما يقارب الأربعة ملايين شخص يعيشون في الكويت أن يتخذوا موقفا واحدا تجاه العالم دون أن يحيدوا عنه، فإما أن تتحول الدولة الصديقة إلى دولة معادية أو نصمت عنها!! حديثي اليوم ليس عن صالح الملا أو مبارك الدويلة فحسب بل عن كل من اقتيدوا وتم التحقيق معهم بهذه التهمة السمجة فقط، فالإساءة إلى الدول الصديقة أو الإضرار بالعلاقات لا يحدثان إلا إن كانا عبر مسؤول في منصب تنفيذي رسمي يمثل الدولة من خلاله، وهو ما يعني استثناء حتى نواب مجلس الأمة من هذه التهمة، فحتى إن تطرق نائب إلى دولة صديقة بالسوء فإن الرد الحكومي الرسمي يكون برفض ما قيل، وهو أقصى ما يجب حدوثه. والحالة الثانية هو أن يكون انتقاد الدولة الصديقة أيا كانت عبر وسيلة إعلامية رسمية تمثل الدولة، وعلى لسان ممثلي تلك الوسيلة لا الضيوف، أما فتح المجال كما يحدث اليوم فهو طبعا مرفوض ولا يمتّ لحرية التعبير الدستورية بصلة. على المشرعين الإسراع في تقنين هذا الأمر، فما يحدث اليوم مهزلة بجميع المقاييس.