كانت اليابان حتى ما قبل 150 عاما تقريبا دولة زراعية متخلفة منطوية على نفسها. ثم جاءت فترة «الحكومة المستنيرة»، او الميجي، 1912-1868، وهي التسمية التي اطلقت على الإمبراطور موتسوهيتو، الذي عرف عهده نهاية نظام الشوغون، وتوحيد اليابان تحت حكومة مركزية، لتسرع في حركة الإصلاحات، بعد قيام أحد مستشاري الإمبراطور بترؤس بعثة للتعرف على أسباب تقدم الدول الغربية، وكان ذلك عام 1871، حيث قامت البعثة بتفقد مؤسسات الدول الأوروبية واميركا، والاطلاع على أحدث ما توصلت اليه في عالم التقنية. وفور عودة البعثة بدأت اليابان بجلب آلاف الخبراء والمهندسين من تلك الدولة للمساعدة في تحديث أنظمتها، واعطي البريطانيون مسؤولية تحديث القوات البحرية، والفرنسيون القوات البرية، ووضع الألمان أسس التعليم. وشملت الإصلاحات النظامين، القضائي والسياسي، وتم فرض التعليم الإجباري للجنسين ضمن نظام تعليم مستوحى من المناهج الفرنسية والأميركية. كما جرت أثناء ذلك حركة ترجمة شملت الأعمال الأدبية والفنية العالمية، واصبحت جزءا من المقررات الدراسية. كما قامت اليابان بنقل الفكر الغربي ومداركه، والدفع بالنظام التعليمي إلى الأمام. والطريف أنها، ومعها السويد، كانتا الوحيدتين اللتين اتبعتا، بخلاف بقية مستعمرات بريطانيا الأخرى، نظام المرور على اليسار، وهو النظام الذي تخلت عنه السويد تاليا. وفي فترة سابقة على نهوض اليابان، قام والي مصر المستنير، محمد علي باشا، في عام 1826 بإرسال بعثة علمية إلى فرنسا لدراسة العلوم والمعارف الإنسانية، وأرسل معها ثلاثة شيوخ دين، وكان أحدهم رفاعة الطهطاوي، الذي بدأ فور وصوله بتعلم الفرنسية، فضم تاليا للبعثة وتخصص في الترجمة، وأنجز العشرات من الكتب، وعاد بكتابه الشهير «تخليص الإبريز في تلخيص باريز». وعندما عاد الى مصر قام بالعمل على «تطوير المناهج الدراسية»، وافتتح عام 1835 مدرسة الألسن، وترجم أهم كتب الفلسفة والتاريخ الغربي وجواهر العلوم العالمية. ولكن جهوده ضاعت جميعها مع تولي الخديوي عباس الحكم، فقد أغلق مدرسته وأوقف أعمال الترجمة، بضغط من رجال الدين المتشددين. ثم جاء المجدد الإسلامي الشيخ محمد عبده (1849-1905) الذي يعتبر من دعاة النهضة والإصلاح في العالم العربي والإسلامي، وأستاذه الأفغاني، وحاولا القضاء على الجمود الفكري والحضاري، ولكنهما فشلا كما فشل قبلهما رفاعة. فقد نادى الشيخ عبده بتحرر المرأة، ورفض تعدّد الزوجات، ودعا إلى مساواة المرأة بالرجل في حق طلب الطلاق وفي أمور أخرى، وهي المفتي وشيخ الأزهر. كما طالب بتعليم المرأة وتنمية طاقاتها الذهنية لمواجهة مسؤوليتها. ولكن جهوده وئدت في غالبيتها، وتم التخلي عن غالبية إصلاحاته. والآن، وبعد مرور كل هذه السنين، ومع كل المتغيرات الدولية والانقلابات الفكرية في العالم أجمع، نجد أن وضعنا لا يزال كما هو، بل تدهور وضع المرأة أكثر، وأصبحت الأنظمة الدكتاتورية هي السائدة في معظم دولنا، وفشلت كل محاولات السابقين واللاحقين في تطويرها، ولم يكن مستغربا بالتالي أن يظهر «داعش» بيننا، فيما العالم أجمع يتقدم ويتطور، ونحن نتخلف ونتراجع، والسبب يكمن في الأفكار الجامدة التي ترفض التغيير، في الوقت الذي نجحت فيه اليابان، وغيرها، فيما فشلنا فيه، لمرونة نصوصهم، وبالتالي سنستمر غارقين في وحول الخرافات وأسرى قيود الجمود، طالما استمر إصرارنا على عدم التطوير والتغيير، وسيظهر بيننا ألف «داعش» آخر، مستقبلا. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com