يضرب فوكوياما في كتابه الأخير "النظام السياسي والتآكل السياسي" مثلاً عن الفساد وعجز الحكومات عن مكافحته من إندونيسيا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حين فشلت الحكومة هناك في وضع حد لجريمة الرشوة التي انتشرت في إدارة استيفاء رسوم الدولة من الواردات الخارجية، واضطرت الحكومة عندئذ للتعاقد مع شركة سويسرية لاستيفاء رسوم الدولة المقررة.
ويعطينا الكاتب مثالاً آخر عن الهند حين أظهرت دراسة أن 48 في المئة من المدرسات في القرى الهندية النائية يقبضن الرواتب الحكومية من غير دوام، تلك أمثلة بسيطة، تذكرتها وأنا أقرأ خبر تقرير ديوان المحاسبة عن قياديين في الحكومة يقبضون رواتبهم رغم انتهاء مدة مراسيم التكليف، يعني الجماعة يحيون في ربيع دائم على مدار العام، لكن من الظلم إدانة هؤلاء القياديين فقط، فهم في النهاية "غيض من فيض" بدولة "أكبر حكومة في العالم"، وهي حكومة الكويت مثلما ورد في تقرير الشال.
واستمعت مرة إلى أستاذة ذات ضمير تدرّس في معهد "عالي" وهي تقول، إنها تشاهد يومياً معيدات في قسمها، يأتين في الصباح ويضربن كرت الدوام ويخرجن وماكينات سياراتهن تعمل، ثم يعدن قبل نهاية الدوام قبل الساعة الثانية ظهراً، ليضربن كرت نهاية الدوام، ثم يعدن مرة أخرى للدوام المسائي ويداومن لقبض زيادة الإضافي. بكلام آخر، هن يقبضن الرواتب كاملة دون عمل، وكرّسن واقعاً كاذباً بنقص أعضاء هيئة التدريس ليقبضن من الإضافي! عيب عليهن وعيب على هذه الشاكلة من وزارات النوم العميق.
مثل تلك الحكايات السابقة، يصبح أمرها شأناً عادياً مقبولاً لدرجة كبيرة بثقافة "هذا سيفوه وهذي خلاجينه" السائدة بالدولة فلا محاسبة ولا رقابة، ولو فُرِض أن الحكومة- مجرد فرض- تريد مكافحة مثل هذا السلوك، فلن تقدر، فحالها من حال الحكومة الإندونيسية في الخمسينيات أو كحال الحكومة الهندية مع المدرسات في القرى النائية، لكن مع الفرق أن الهند أطلقت مسباراً حول المريخ كدليل عن واقع التنمية والحداثة اللتين تتقدم بهما إلى الأمام من دون ريع النفط ومن دون وفرة الموارد، غير مورد الإنسان الهندي المنتج، بينما الجماعة هنا وقتهم مشغول بملاحقة المغردين، وماذا كتب هذا المغرد، وكيف يمكن متابعة حسابه لمعاقبته…!
الفساد مرتبط بفعالية وكفاءة الحكومة وجهازها الإداري، والعلاقة بين الاثنين عكسية، فكلما نقصت هذه الفعالية، بمعنى تناقص مبدأ سيادة حكم القانون، زادت نسبة الفساد، والعكس صحيح… وياليتها وقفت عند رواتب القياديين أو مدرسات الإضافي…! "الشق عود" بإدارة الدولة، وكيف يمكن مواجهة هذا التسيب وهذا الفساد خلال الأيام المقبلة بكل ما تحمله من "كسافة"؟. الله العالم.