لفت صديق عربي أميركي نظري، صباح الجمعة، إلى مقال الزميلة زيبا رفيق، الذي ردّت فيه على مقال لي عن شاعر الهند، باكستان لاحقا، محمد إقبال، وذكرت فيه: أن «التطرف الليبرالي ليس أقل من التطرف الديني»! وهنا سأرد عليها، ليس احتراماً لما كتبت، ولا لما تضمنه مقالها من كلمات إطراء تُشكر عليها، ولكن أيضاً لتوضيح أمور غير دقيقة أوردتها، ولبيان ما لم يُتح لي ذكره في مقالي السابق. أولاً يا عزيزتي، لقد ظلمت نفسك وظلمتني بمحاولة وضعي، بما كتبت من كلمات «متطرفة» بنظرك، في كفة، وكل ما ارتكبه التطرف الديني من جرائم غاصت، ولا تزال تغوص الأمة العربية والإسلامية في وحولها المختلطة بالكثير من الدموع والدماء والأشلاء البشرية المبعثرة، في كفة واحدة! وغريب أن تأتي امرأة، وهي الهدف الأكبر لظلم الجماعات الدينية المتطرفة، لتساويني، بما كتبت من كلمات، لم أعتقد أنها متطرفة، مع هؤلاء الوحوش الذين سبّوا أخواتها، وألبسوهن شر اللباس، وأطعموهن الذلّ والهوان، وحرموهن من نسائم الحرية والإنسانية! أليس من الظلم يا عزيزتي، أو تلميذتي، كما أحببت أن تصفي نفسك، أن تضعيني، بكل ما بذلت طوال عقود عدة من الصراع مع التيارات المتخلفة للدفاع عن حقوق المرأة، أن تضعيني في كفة واحدة معهم، وتصبح بضع كلمات لم تعجبك «جريمة ارتكبتها ضد البشرية»، حسب وصفك؟ ما علينا، فلك أن تعتقدي بما تشائين. ولنعد إلى ما تضمّنه مقالك من «هفوات». فقد ذكرت. أن مقالي نُشر بتاريخ 2014/8/27، والصحيح أنه نشر يوم 21 أكتوبر. وذكرت أنني ألصقتُ كل السلبيات بشعب، ونسبت كل الإيجابيات لشعب آخر! وهذا ما لم يحصل، ونص المقال موجود على الموقع التالي www.kalamanas.com، فمن أين أتيت بهذا.. يا عزيزتي؟ ثم وصفت. عدم اطلاعي على حقيقة لغة الأورد بـ«المصيبة الكبرى»، وأنني سردت معلومات تاريخية لم أكلّ.ف نفسي عناء البحث عن صحتها، وأن الصحيح، حسب رأيك، أن الهندية لغة قديمة، أما الأوردو فلغة جديدة بدأت مع قدوم الأتراك والأفغان والعرب والفرس إلى شمال الهند، ونشأت الأوردو من تخالطهم! وهذا كلام أقل ما يقال عنه أنه غير صحيح أبدا(!) فالأوردو، كما ذكرت في مقالي السابق، هي اللغة الهندية نفسها، وليست لغة جديدة، ولكنها تأثرت بالفارسية والعربية، وبدرجة أقل بالتركية، وانتشرت في شمال القارة، وكتبت في مرحلة تالية بالأحرف العربية بتأثير فارسي إسلامي، كما حدث مع اللغة البهلوية الإيرانية. وبالتالي من لغو الكلام وصفها بلغة جديدة، والدليل على ذلك أن أفراد شعبي الهند وباكستان يتكلم بعضهم مع بعض بطلاقة، من دون أن يكلف أحدهم نفسه تعلم لغة الآخر، ولكن عند الكتابة يختلف المسار. ولسبب ما يعتقد البعض أن الأوردو جاءت مع الغزو المغولي للهند، وهذا أيضا غير صحيح، فلغة بلاط المغول كانت الفارسية، وعندما استعمر البريطانيون الهند فرضوا التحدّث بالهندية، مع حق البعض في كتابة الأوردو بالأحرف الفارسية (العربية). كما أن تسمية الأوردو جديدة فقد استخدمها لأول مرة الشاعر غلام حمداني مشافي عام 1780، وكانت قبلها بقرون تسمى بالهندية Hindi. أما عن سؤالك الأخير، المتعلق بمن تسبَّب في قتل وتشريد ملايين الهنود عند انفصال الهند، فردي أن الجواب مستحيل، فالخطأ شمل الجميع، ولكن خطيئة إقبال، الشاعر المرهف الحس، كانت الأكبر. وربما نعرف اليوم أن الهند كانت المستفيد الأكبر من انفصال مئات ملايين المسلمين عنها! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com