يتحدث صديق متسائلاً من المستفيد الحقيقي من الدعم الحكومي للطاقة مثل الكهرباء والماء؟ إذا كنت تتصور أنه أنت أو أنا من الذين يسكنون في بيوت متوسطة أو في شقق عادية، فأنت واهم، فأنت تستفيد بدرجة بسيطة، المستفيدون الحقيقيون المنتفخة بطونهم من خيرات الدعم هم أولئك أصحاب المجمعات والمولات والصناعات، فمثلما تدفع فلسين للكيلوات كهرباء، يدفع مثل هذا المبلغ هؤلاء الكبار جداً، وإذا كانت الدولة تتكفل بفارق ألف دينار، مثلاً، بين السعر الذي تدفعه وسعر التكلفة الحقيقية للكهرباء، فهي تخسر آلاف الدنانير بدعمها لذات السلعة لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة. هؤلاء في النهاية ليسوا أفضل منك أو مني في دنيا الاستهلاك الريعي، بل هم أكثر تكلفة في أسواق الأخذ والهدر دون مقابل، صناعاتهم وملكياتهم الكبيرة ليست نتاجاً لعمل حقيقي، ولا يقدمون إضافة حقيقية لرأسمال الدولة، فما نراه من منتجات لتلك الصناعات هي قائمة على الدعم الحكومي من منتجات بترولية أو غيرها، ويستحيل أن تنافس في أسواق خارجية لولا هذا الدعم الكبير، هم أكثر من المواطن العادي اتكالية على هبات الدولة ومنحها، وإن كانوا يظهرون أنفسهم بمظهر الحريصين على الإنفاق العام، ودائماً يحيلون مسؤولية الهدر العام لموارد الدولة على المواطن، وهو المستهلك البسيط، بينما يعلقون أوسمة البطولة والحصافة المالية على صدورهم.
يمضي صديقي، ويتطرف بحديثه ليقرر: ماذا لو حسبت السلطة مجموع الدعم كله الذي تقدمه لكل مواطن، ودفعت له مقابل إلغاء الدعم نقداً، فتقبض مثلاً، مقابل دعم الكهرباء والماء والبنزين والتموين خمسة آلاف دينار كل سنة نقداً، وأنت وشأنك في ما بعد، كيف تنفق مقابل الدعم، سواء قررت صرفه على استهلاك سلع الدعم كهرباء وماء وبنزين… إلخ، أو تشتري، بها، تذاكر طائرة وتسافر للخارج حتى تتنفس نسائم الحرية وتبتهج مع رؤية ألوان الطيف الجميلة بدلاً من اللون الرمادي المغم، السائد في دولة "الحمد لله مو ناقصنا شي"!!
أياً كان رأي صديقي في سخريته أو جديته، يبقى القدر المتيقن في اعتقادي، أن السلطة لن تقدم إصلاحاً اقتصادياً حقيقياً وهي تواجه، اليوم، أزمة انخفاض سلعة الدولة الوحيدة، مثل هذا الإصلاح، وكما أكرر، يتطلب تضحيات، ليس من المواطن العادي، فقط، والذي سيضحي في النهاية، حين يشاهد ويشهد على تضحيات الكبار بالقليل مما كسبوه، حين يطبق القانون بمسطرة واحدة، وحين تعمل إدارات ومؤسسات الدولة بحيادية مطلقة وبكفاءة، ولا تهيمن عليها سلطة التنفيذ وحدها دون شريك، وحتى يأتي هذا اليوم البعيد، ما علينا غير انتظار معجزة، أو ربما صدمة، توقظ النائمين في السطوح العليا، فماذا يتوقعون أكثر من صدمة اليوم المتجسدة في الأموال والحريات معاً…!