لن أندم على أي شخص دخل حياتي، ورحل. فالمخلص اسعدني والسيئ منحني التجربة والاسوأ كان درسا لي، أما الأفضل «فقد أسعدني» ولن يتركني! (غاندي). *** دعانا صديق، انا وزوجتي، لتناول الغداء مع أسرته واخوته في الشاليه الذي اختاره ليكون بيته الدائم، بعيدا عن ضوضاء المدينة. أعجبني اختياره لأفضل مكان في الشاليه ليكون غرفة نومه وصالة جلوسه ومعيشته الشخصية، وترك الجانب الخلفي من الشاليه، الأقل فخامة، لضيوفه. ولم يسؤني ذلك، بل اثنيت على اختياره، فنحن غالبا ما نختار أفضل أجزاء البيت للضيوف ونحصر أنفسنا في زوايا ضيقة من البيت لا تتميز لا بمنظر ولا بأثاث جميل، وذلك لرغبتنا في التأثير على ضيوفنا وإبهارهم وإكرامهم بما يليق، وهذا جيد ولكن يجب ألا ننسى، في خضم كل ذلك، أنفسنا، فهم طارئون ونحن الأصل، فالبيت لمالكه وليس لضيوفه، وبالتالي من الغباء مثلا شراء أفضل أطقم تقديم الطعام وحفظها في الخزانة لحين قدوم ضيف لكي تستخدم لساعة مثلا وليعود الطقم الجميل ليحتل مكانه على رف الخزائن بانتظار ضيف آخر، قد لا يأتي ابدا، ونغادر الحياة والطقم على وضعه، او «حطة ايدك»! وبالقدر بنفسه من السذاجة، فإن الكثيرين يختارون أفضل المفروشات وأغلاها ثمنا ليضعوها في صالة الاستقبال الرئيسية، ولا تستخدم إلا عندما يزور البيت ضيف ما، وغالبا ما تبقى هذه المفروشات مغطاة، خوفا من أن تتلف. ونقوم في الوقت نفسه باختيار مفروشات عادية لغرف المعيشة بحجة أنها لاستعمالنا الشخصي. وهكذا نرى أننا نشتري أشياء كثيرة ونحتفظ بها ليوم أو مناسبة جميلة ونغادر هذه الدنيا والمناسبة.. لم يحن أوانها. وعليه يجب أن نعرف جيدا، أن كل يوم في حياتنا هو جميل وخاص ومميز، ويستحق أن نعيشه بكل ما لدينا من طاقة وعنفوان، وأن نستخدم افضل ما لدينا، فلا ضيف في هذه الدنيا أفضل منا، فالمخدة الأفضل هي مخدتنا، وأجمل شبشب وأدفأ لحاف لنا قبل غيرنا، ولا يعني ذلك أن نكون أنانيين بل عمليين، فاللحاف الجميل الذي لا نود استخدامه إلا عندما يأتينا ضيف «جميل»، قد لا يأتي أوانه ابدا، من الأفضل أن نعطيه لمن يحتاجه، فالعطاء سعادة لا توصف. فلو نظر كل منا لخزانة ملابسه، وخاصة السيدات، لوجدنا أننا نحتفظ مثلا ببنطلونات من مقاسات متعددة، ونرفض التخلص منها أو إعطاءها لمن يستحقها بحجة أن يوما ما سينقص وزننا وسنتمكن من ارتدائها. ولو كنا نعرف متى ستنتهي حياتنا هل كنا سنبقي أفضل الأشياء لأفضل الأيام أم سنحرص على استخدامها قبل فوات الأوان؟ ولو كنا نعرف تاريخ نهاية حياتنا هل كنا سنغادرها بعداواتنا نفسها، أم كنا سننهيها فورا؟ وبالتالي لماذا لا نستمتع بكل دقيقة من حياتنا اليوم، ولا نؤجل السعادة للمستقبل، ولو كان غدا، فاليوم أو اللحظة هذه فقط هي المضمونة، أما بعدها.. فلا أمان! الملك حسين، ملك الأردن الراحل، كان ابن ملك وحفيد ملك ويتقن عدة مهارات، وصديقا لملوك ورؤساء دول، وكان يمون على خزائن عدة دول خليجية، وكانت له في واشنطن، والغرب عامة، معزة ونفوذ. كما كان يعرف كل طبيب بارع، ولكن عندما مرض، وهو في مقتبل الستينات من العمر، لم تنفعه ثروته ولا صداقاته ولا معارفه ولا علاقاته، فهل نتعظ؟ أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com