نعتمد على النفط، ولا نملك التحكم في سعره، وكل الكويت تعمل لهدف واحد فقط هو إنتاج النفط وبيعه وتحصيل أمواله؛ لصرفها على الرواتب بالمقام الأول والبنية التحتية وغيرها من تفاصيل تسهل عمل استخراج النفط وبيعه، إلى أن ينتهي النفط ونبدأ بصرف مدخرات الكويت طوال الخمسين عاما فتنتهي وننتهي كبلد معها.
تلك حقائق لن يتمكن أي متفائل من دحضها اليوم، بل أي محاولة لتجميلها لن تنجح أيضاً، فهي مسألة وقت لا أكثر ولا أقل.
قد يبدأ العد التنازلي من اليوم أو قد يؤجل لعام أو عامين لا نعلم، فالأمر ليس بأيدينا، ولكن هزة انخفاض سعر البرميل بنسبة تفوق الـ ٢٠٪ خلال أيام قليلة وتعليق إنتاج منطقة الخفجي المشتركة بشكل يؤدي إلى خسارة ٤ مليارات دولار سنويا ينبئان بقرب الكارثة، ونحن لم نعمل شيئا إلى الآن، فلا مصدر رزق بديلا ولا كوادر بشرية قادرة على إدارة الأزمات والكوارث.
لم يبق سوى شيء واحد من الممكن عمله اليوم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأعني هنا إنقاذ الشعب الكويتي أو على الأقل من ستقع على رؤوسهم الكارثة بعد سنوات ليست بطويلة وهو التأهيل المناسب.
فلو افترضنا أن الكويت أشهرت إفلاسها اليوم فكم كويتياً سيتمكن من العيش بمهنة توفر له مردوداً جيداً خارج الكويت؟ وكم كويتياً يمتلك الكفاءة الفعلية لتحديات العمل في الخارج أصلا؟ وكم كويتياً يستطيع التعايش مع الظروف داخل الكويت من دون نفط؟
أعتقد أن النسبة ضئيلة جدا اليوم لأن معظمنا وباختصار لا يملك الحد الأدنى من الحاصل العلمي أو الخبرات المهنية التي تمكنه من العيش الكريم، والسبب بالطبع هو تردي التعليم طوال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية والعملية مستمرة إلى اليوم، فعلى الرغم من زيادة ما يصرف على التعليم في السنوات الأخيرة فإن مستوى التعليم في الكويت يزداد تراجعاً وفق التصنيفات الدولية، وهو ما يثبت قطعاً أن العلة في الرؤية والتخطيط والإدارة لا في المال أبداً، فالكويت ترفع ميزانية التعليم وما زالت تقبل الطلبة الحاصلين على أدنى النسب في الثانوية العامة للعمل في سلك التعليم!! وما زلنا نملأ المناهج بالتكفير والحفظ، بل إن أحد المناهج الأساسية في المدارس ينص بصراحة على أن العقل محدود ولا يشجع على استخدامه!!
لذلك لا بد على الأقل اليوم من تأهيل الأجيال، فالسنوات القادمة لن تكون سنوات رخاء يضمن فيها الكويتي الوظيفة دون عمل، والعلاج دون تكلفة، والكهرباء والماء دون فاتورة، كل هذا سينتهي قريبا، وما دمنا نمتلك الأموال اليوم فلا بد من مراعاة السنوات العجاف القادمة، حتى إن تطلب الأمر استيراد قطاع تعليمي متكامل بمناهجه ومعلميه وإدارته من الدول المتقدمة في مجال التعليم.
دعونا نقرأ المستقبل بشكل جيد ولو لمرة واحدة، ونتخذ إجراءاتنا بناء على تلك القراءة، فاللاحقون سيلعنوننا بلا أدنى شك إن استمر الوضع كما هو عليه، فدعونا نقدم ولو شيئاً واحداً يشكروننا عليه مستقبلاً، ولنتجه إلى تعليمنا المهجور منذ عقود.