ما جدوى الحديث عن دولة المؤسسات ودولة حكم القانون، وكل الكلمات المنمقة عن الضمانات التي كفلتها التشريعات الجزائية للمتهمين، إن كان النص القانوني في وادٍ والنهج الذي تسير عليه السلطات في وادٍ آخر، أو حين تُستغَل ثغرات في النص لإعمال عقوبات تصادر حقوق المتهمين وتُخرِج النصوص القانونية عن غاياتها التشريعية؟
الممارسة التي تحدث الآن من عدم إحضار المتهم المقبوض عليه من السجن للمحاكمة، ثم تأجيل نظر القضية مرات عدة حتى "يصحو الضمير الغائب" أياً كان صاحبه، ويتم إحضار المتهم للمحاكمة وسماع أقواله، يجب أن يوضع لها حد، لأنها ممارسة تنتهك الدستور الذي يعتبر المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته بحكم نهائي، وهذا (تمديد السجن الاحتياطي) عقوبة دون نصٍ من القانون، لأن السجن الاحتياطي يُفترَض أن يكون إجراءً احترازياً لا يجوز إعماله إلا بشروط استثنائية محددة، ليصبح عقوبة تامة دون مقتض.
من المسؤول عن الإهمال في إحضار السجناء إلى جلسة المحاكمة أو تجديد الحبس من المحقق أو المحكمة؟. إدارة السجون، في أكثر من مناسبة، ردّت بأن "العلم" أو الكتاب المرسل من المحكمة عن موعد الجلسة أو التحقيق لم يصل إليها، بينما قلم الكتاب أو الإدارة المختصة "أياً كان وصفها" يقرر أنه تم إبلاغ إدارة السجن عن موعد الجلسة مسبقاً، وبين الفريقين "الإداريين" تضيع حقوق المتهمين وتُصادَر حرياتهم، وندرك عندها حجم التسيب واللامبالاة في الجهاز الإداري البيروقراطي بالدولة وعدم كفاءته.
وإذا حُكِم علينا أن نتقبل بمضض مثل هذه الممارسة اللامسؤولة في تهم معظم الجرائم، فكيف يمكن أن نتجرعها اليوم حين يصير الحديث عن قضايا الرأي، وحرية التعبير، وحين تتمثل هذه بتغريدة عابرة أو بمقال ناقد لوضع سياسي أعوج؟!
قضايا الرأي والحريات تمر اليوم، بأسوأ أحوالها، وإذا كان عدد من النصوص التشريعية ضربت بدستور الدولة وحقوق الأفراد عرض الحائط، ولم يعد لدينا من يحمي هذا النص الدستوري أو ذاك، فهل ترى السلطة أن التشريعات غير كافية لتدجين الشباب، فأعملت بهم، عن عمد، لا عن إهمال، عقوبات دون سند من العدل، من المسؤول عن هذا الظلم؟!