ختم محمد البغلي مانشيت الجريدة عن تراجع النفط بفقرة تشخص حال الدولة تماماً، فعند الكاتب "… أنه كلما انخفضت أسعار النفط كانت خيارات الإصلاح أصعب لدولة تأخرت أكثر من ٢٠ عاماً في اتخاذها رغم الفرص المتكررة والسهلة"، الإصلاح الاقتصادي يعني أن تخبئ القرش الأبيض لليوم الأسود، وأن تستثمر الدولة بالإنسان وتعليمه الجيد، وأن تضع حداً للشخصية الريعية الاتكالية، وهي الذات التي اعتادت أن تأخد دون مقابل عمل منتج، وأن تبادر السلطة لتنويع مصادر الدخل، وقبل أي من هذه الأمور يعني الإصلاح إعمال دولة حكم القانون، وأقصد بذلك تحقيق المساواة بين الناس حسب إنتاجهم وكفاءاتهم، لا حسب قربهم من مراكز القرار، وحكم القانون يعني مكافحة الواسطة والمحسوبية والرشوة، وكل أمراض الريع التي نقابلها كل يوم، من أبسط معاملة تريد أن تقضيها في دائرة حكومية إلى أكبر وأهم الأمور.
فوتت السلطة فرصة الإصلاح حين انخفضت أسعار النفط في نهاية التسعينيات، مثلما ذكر الزميل محمد البغلي، بل هي فوتت فرصاً كثيرة قبلها، أهمها المرحلة المباشرة بعد التحرير، فقد كانت الدولة المحررة بكراً وكان أغلب الناس مستعدين للعطاء والبذل، لكن حين عادت السلطة للحكم عادت بفكرها القديم وعللها المزمنة وبيروقراطيتها المريضة وغير المنتجة، والتي تضج بالفساد، وحدث أن "تيتي تيتي لا رحتي ولا جيتي".
لنقر بأن أسس ممارسة السلطة بالكويت ومن على شاكلتها يقوم على مبدأ سياسة الدينار، فكما يوجد هناك دبلوماسية الدينار في علاقة الدولة بالخارج، كي تكسب عبر هذا "الدينار" شرعية القبول والرضاء عنها من الدول الأخرى، أيضاً هنا كان الدينار يحكم العلاقة بين السلطة والأفراد، فأي أزمة سياسية كانت تعبر سماء البلاد كان حلها سهلاً، ادفع من المال العام، ادفع من دون حساب حتى يصمت الجميع، بهذه السياسة تم هدر مقدرات الدولة، وتم تقنين الفساد المالي، وما هو أخطر تم عبر هذه الممارسة طمس وعي المواطن وأهمية أن يكون منتجاً معتمداً على ذاته، إن لم يتم تسطيح هذا الوعي بتقييده بالاستهلاك المرضي.
الآن تبدو لنا السلطة، وأمامها أزمة اقتصادية خانقة، مثل "المشتهية والمستحية"، تود أن ترفع سعر جميع المحروقات، وأن تحاسب الماء والكهرباء بسعر التكلفة -على الأقل يفترض أن يعمل بهذا لأصحاب المجمعات والمولات، والشرائح ذات الاستهلاك العالي- إلا أن السلطة تراجعت، فهي تخشى بهذا أن تقوض شرعيتها، وهي شرعية الدينار، وشرعية تجنب أي تذمر أو استياء شعبي، فمادام هناك غياب حقيقي للإرادة الشعبية يصبح البيت الحكومي من زجاج يخشى أن ينكسر من أي حصاة عابرة، من هنا يصبح الحديث عن أي إصلاح اقتصادي جدي، دون الشروع في إصلاح سياسي، ضرباً من الخيال.