تقع النرويج أو Norge ضمن الدول الاسكندنافية، ولم تتضرر كثيرا نتيجة الحرب العالمية الثانية، إضافة لموقعها النائي نسبيا، بل وشهد اقتصادها رواجا بعد الحرب بفضل أسطول شحنها الضخم. وبالرغم من فقر النرويج النسبي فإن وضعها تغير في السبعينات مع اكتشاف كميات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي فيها، وتعد اليوم ثالث أغنى بلد في العالم من حيث القيمة النقدية، وثاني أكبر مصدر للثروة السمكية، بعد الصين ويتمتع مواطنوها بنموذج رعاية وتأمين صحي عالمي ونظام تعليم متقدم، وجهاز حكومي يخلو من الفساد. وضع النرويج يطرح السؤال عن سبب عدم طمع البلدان الاستعمارية الكبيرة بها، فهي غنية وجميلة وصغيرة، وبها ثروات طبيعية هائلة، فمساحتها تبلغ 400 الف كيلومتر تقريبا، وعدد سكانها بالكاد يتجاوز خمسة ملايين؟ فلم تركتها الدول الاستعمارية لحالها واتجهت لدول الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وأفريقيا لتحتلها، والنرويج أقرب منها بكثير؟ ولماذا لم تتآمر عليها الإمبرياليات العالمية، وتسلبها ثرواتها وتبيعها أسلح «خردة»، كما نجحت معنا، وبقيت النرويج دولة مستقلة؟ أسباب ذلك لا تعود فقط لقوة شكيمة مواطنيها، وتمتعهم بنظام ديموقراطي وحرية تعبير وتنقل وحرية اعتناق أي عقيدة يشاؤون، بل لأنها أيضا احترمت نفسها، وقضت على البطالة فيها واحترمت مواطنيها، وهذه جميعها دفعت بقية دول العالم لاحترام سيادتها واستقلالها. كما أنها، بالرغم من صغر عدد سكانها فإنها كانت دائما تمتلك جيشا قويا واحتياطيا عسكريا مميزا، ولم تعاد في تاريخها الحديث أي دولة. ما نود قوله هنا، هو كما قال الشاعر المتنبي (!) «من يهن يسهل الهوان عليه»، فمن دولنا دول كثيرة قبلت بالهوان وقبلت بالمذلة وقبلت بالتبعية، وبالتالي لم يكن صعبا استعمارها واستغلال ثرواتها، وعليه فإن اتجاه الاستعمار لدولنا، وليس لدول كالنرويج، لم يكن فقط بسبب سوء نوايا الدول الاستعمارية، وطمعها في ثروات الدول الأضعف، بل والأهم من ذلك بسبب تفرق رأي دولنا، وتطاحننا في حروب دينية وقبلية وطائفية، بدأت بـ «داحس» ووصلت لـ «داعش»، وبينها فترة لم تتوقف فيها تلك الحروب الأهلية إلا مع قدوم الاستعمار، لتعود وتشتعل مع مغادرته، ولا يبدو أنها ستنتهي في القريب العاجل! وفي مبادرة تدل على مدى احترام النرويج لعقول مواطنيها، ومن منطلق الشفافية المطلقة، قامت، من خلال موقع http://t.co/Jc8W5UUQPy الإلكتروني بوضع عداد يبين، بالثانية، رصيد صندوق أجيالها القادمة، والذي أخذت فكرته من الكويت ومن تجربتها الرائدة مع صندوق الأجيال. ولكن النرويج سرعان ما سبقتنا في الاستفادة من الفكرة، حيث أصبحت تمتلك أكبر احتياطي نقدي في العالم. علما أن إجمالي احتياطيات الصندوق كان في بداية السنة خمسة تريليونات و346 مليار كرونا، وأصبح لحظة كتابة المقال خمسة تريليونات و558 مليارا. نعم قلدتنا النرويج، ولكنها تفوقت علينا، ونحن لا نزال نحاول تعلم كيف نعطي أولوية المرور في الدوار للقادم من اليسار! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com