أصبح في حيص بيص حين أقرأ عبارة مثل تنويع مصادر الدخل للدولة، التي كثيراً ما تُذكَر لا من المهمومين بالإدارة الاقتصادية للدولة فقط، بل من مؤسسات الدولة ذاتها أيضاً، سواء كانت في خطابات الحكومة أو تقارير مجالس التخطيط وغيرها، ويمكن وصف معظم تلك الشكاوى من الحال، بأنها "حكي بحكي" وكلام أخذت زبدته. الزميل محمد البغلي في تقرير بـ"الجريدة" يوم الخميس دق ناقوس الخطر من تدني أسعار النفط، وغياب البديل الذي يعوض نزول بضاعة الدولة الوحيدة، وكأن هناك من يسمع رنين أجراس الخطر، أو يفك الخط رسمياً وشعبياً.
يذكر محمد أن أسعار النفط تراجعت نحو 13.7 في المئة في الأشهر الثلاثة الأخيرة، ويقرر أن الفوائض المالية في أيام "البوندروسا" لم تستغل في الماضي، "لمعالجة الاختلالات الحقيقية للاقتصاد الكويتي، لا من حيث إصلاح سوق العمل عبر توفير مناخات وبيئات استثمارية مختلفة عن العمل الحكومي، ولا من جهة تقليل هيمنة الدولة على الاقتصاد، ولا عبر طرح مشاريع وفرص ترفع نسبة الإيرادات النفطية… إلخ". المفارقة المخجلة أنه مع تلك الفوائض زادت رداءة الخدمات في الصحة والتعليم والإسكان كما يذكر الزميل، ودون التطرق "إلى الخصخصة الحقيقية"ـ وأحلامها العريضة في ظل هذه الإدارة السياسية ـ التي يتصور أنها أحد أطواق النجاة من الفيضان الإعساري القادم، فقطاعنا الخاص هو طفيلي يحيا على بركة الإنفاق الحكومي، وصدقاته حسب قرب أصحابه إلى مراكز القرار.
يبقى أن نسأل أين تذهب تلك الفوائض المالية، طالما أنها لم تنعكس على "الخدمات العامة"، والتي يمكن إعادة تسميتها بـ"المعاناة العامة"؟! الإجابة التي لا تحتاج إلى جهد فكري لذلك السؤال توجز بكلمتين "مناهيل الفساد"، فهي التي تبتلع هذه الفوائض في الأمس واليوم، وإذا كان جزء كبير من تلك الفوائض بالماضي يخصص لإسكات المواطنين وتهميش وعيهم، عبر سياسة "دهان السير" المتمثلة في شراء الولاءات السياسية، فماذا ستفعل السلطة غداً حين تنكمش إيرادات الدولة لدرجة تعجز معها السلطة عن الاستمرار بتخدير الوعي العام وإسكات المتطلعين لهبات الحكومة؟! هل سيكفي عندها أن تذكرنا السلطة بنهاية دولة الرعاية، رغم رداءة هذه الرعاية؟ هل تفكر بأن تفتح أبواب الإصلاح السياسي مثلما تتحدث (فقط بالحديث) عن الإصلاح الاقتصادي؟ وهل ستفتح صمامات الأمان، ويخرج منها البخار الساخن كي لا ينفجر القدر الكويتي، أم أنها بالعكس ستزيد من كثافة وحجم الضغط والقمع السياسيين، تأسياً بالسياسات العامة لمعظم الدول العربية الآن!
غير انخفاض أسعار النفط وآثاره على واقع الدولة، هناك فواتير باهظة الثمن ستفرض على الدولة، من قبل "التحالف الدولي" في حربه ضد داعش وأشقائه، وهي حرب ستطول كما وعدت الإدارة الأميركية، وكأنها تقول لدول المنطقة الغرم بالغنم، فكما غنمتم بالأمس من النفط وأسعاره العالية، وساندتم ثقافة التطرف الديني بـ"البترودولار" عليكم ان تغرموا اليوم، وكأنه، لم يكن هناك أي دور للإدارات الأميركية المتعاقبة في خلق وحوش التطرف بالسابق.
ما العمل وماذا ستعمل السلطة أمام تحديات الاقتصاد والسياسة الحالية، هل ستنفتح وتصلح من أمرها وأمر الناس، أم ستنغلق وستزيد من جرعات القمع؟! لنعد إلى بداية الحديث، بالتأكيد عن حاجتنا "لتنويع مصادر الدخل" وكي يصبح ذلك ممكناً لابد من تنويع مصادر الفكر المهيمن، فالفكر الأحادي لن يقودنا لغير الكوارث.