لا يمكنك وأنت تشاهد النجاحات الإيرانية في مد نفوذها على الجزء الشرقي من العالم العربي إلا أن تحترم هذا الإصرار والإنجاز الإيراني، فبعد أن خرجت إيران محطمة من حربها الضروس مع جارها العراق، استطاعت سريعا إعادة هيكلة قوتها العسكرية والسياسية لتنسج تحالفات عميقة مع جماعات موالية لها في أغلب الدول العربية، حتى انها نجحت بتحويل غريمها التاريخي «العراق» إلى دولة تابعة لها وتتميز الجماعات السياسية العربية التابعة لإيران بقدرتها على التمويه وإخفاء نواياهم الحقيقية بالسيطرة على الحكم عن طريق رفع الشعارات الشعبية والمطالب المعيشية.
جماعة الحوثي «أنصار الله» هي النسخة اليمنية لجماعة «حزب الله» اللبنانية، فهي ترفع مطالب شعبية وحقوقا مستحقة ولكن بوسائل مرفوضة، فالاصطفاف المذهبي والاستقواء على باقي مكونات المجتمع الأخرى ليس خيارا سياسيا وطنيا.
جماعة الحوثي تمشي على خطى حزب الله اللبناني قدما بقدم، ورغم أن الوصول للحكم هدف مشروع للتجمعات والأحزاب العربية، إلا أن من غير المقبول استخدام الطائفة والعنف سبيلا لذلك، ناهيك عن التبعية العمياء لإيران.
استطاعت إيران وبعد نجاحات سياسية منقطعة النظير في المحيط العربي أن تفرض احترامها على الجميع، فلقد تحولت من لاعب أساسي في المنطقة إلى «المتحكم» بمصيرها – حتى الولايات المتحدة والغرب ينسقون معها في كل ملفات المنطقة لأنها تمسك بزمام الأمور جيدا.
إيران تتحكم بمصير العراق وسورية ولبنان ومؤخرا باليمن بالإضافة إلى مناوشاتها في بعض دول الخليج، في السابق فشلنا في مقاومة «الهلال الإيراني» وأصبحنا الآن نعاني من «الطوق الإيراني» الذي بات يلتف حول شبه الجزيرة العربية.
اليمن في المفهوم الجيوسياسي هي الحديقة الخلفية للبيت الخليجي، ويجب عدم تركها للفوضى أو تحت النفوذ الإيراني الحوثي.
على الخليجيين تحديد أولوياتهم الاستراتيجية، فإما مقاومة نفوذ الإخوان أو التصدي لحلفاء إيران الطائفيين أو محاربة داعش، فلا يمكنهم التعامل مع الجميع مرة واحدة وبفعالية عالية.
يعتقد الخليجيون أن سياسة بلدانهم تبدو متناقضة، فمثلا، محاربة العدو داعش ربما ستمهد لعودة «عدو آخر» عبر تمكين الحكومة العراقية من ممارسة تطرفها المذهبي ضد سنة العراق مرة أخرى، وربما يستفيد نظام بشار في سورية أيضا.
وإذا لم يحارب الخليجيون داعش فإنها ستعطي العذر للحكومة العراقية لممارسة العنف على مناطق العشائر، وفي سورية ستستمر داعش بضرب ظهر الثوار السوريين، فداعش لا تميز في قتلها بين قوات النظام السوري والثوار السوريين.
مؤخرا، فشلت السياسة الخليجية في اليمن، لأنها لم تسع إلى عقد تحالفات عميقة بين بقايا حزب المؤتمر وجماعة الإخوان والحراك الجنوبي للتصدي لخطر المد الحوثي، لان الخليجيين لا يمكنهم العمل أبدا مع الإخوان، بينما نجح الإيرانيون في دعم الحوثيين ونسج تحالفات مع بعض الغاضبين من الموالين لعلي صالح في حزب المؤتمر والجيش بالإضافة إلى الحراك الجنوبي فالأول يريد العودة للحكم والثاني يحلم بالانفصال.
ختاما، السياسة الإيرانية تبدو متقدمة جدا على السياسية الخليجية، فاللاعب الايراني يملك أوراق لعب عديدة بينما اللاعب الخليجي لا يملك سوى «الجوكر الأميركي» الذي ربما يتلاعب بنا أو يتخلى عنا.