نُقل عن ابن خلدون، عالم الاجتماع العربي، قوله: الفتن التي تتخفى وراء قناع الدين تعتبر تجارة رائجة جداً في عصور التراجع الفكري للمجتمعات! * * * يردد غالبية المسلمين، بوعي تام أو بغير ذلك، أن الإسلام دين سلام، وأن اسم الدين مشتق من السلم والسلام، وأن هناك نصوصاً دينية كثيرة، وروايات وتصرفات وسيرة تدل على ذلك. ولو صح هذا الكلام، وقيل عن قناعة، فهل يكفي ذلك لكي يقتنع العالم غير المسلم، إضافة للمسلم المتشكك، بصحة هذا القول أو الادعاء؟ الجواب طبعاً لا، فالادعاء الشفهي أو حتى الكتابي لا يكفي، مثلما لا يكفي الفرد، ذكرا كان أم أنثى، ادعاء الأمانة أو المعرفة من دون دليل، بل يتطلب الأمر التصرّف مع النفس ومع الآخرين على هذا الأساس، وهذا لا يمكن إثباته إلا بعد فترة تجربة طويلة تتخللها ممارسات إيجابية مستمرة، كتصالح المسلم مع الحداثة وإيمانه التام بحقوق الإنسان، والتعايش مع البشر الآخرين أيا كان جنسهم، لونهم، دينهم أو عقيدتهم وأفكارهم. وبالتالي فإن الإسلام المعاصر مطالَب بالتحرر من الإرث التاريخي القديم مع الاستمرار من دون ضرورة التخلي عن الإيمان، ومن دون أن يعني ذلك تلقائية ربط الدين بالسياسة، فالفصل بينهما يجب أن يكون باتاً وحتمياً. وفي السياق نفسه، يزيد بعض المصلحين في القول بضرورة ربط النصوص الدينية التي تحض على الكراهية والعنف والقتل، ربطها بزمانها، أي بمرحلة الدعوة، حيث لا يمكن التماهي مع العصر، والتعايش مع العالم أجمع بغير وضع القوانين والقواعد الشرعية جانباً، فهي، بالرغم من كونها لا تشكل إلا جزءاً صغيراً ضمن منظومة قوانين أي دولة، إلا أن مفاعيلها وتأثيرها على حياة الفرد كبير وخطر وقوي. إن الإسلام، والمسلمين بالتبعية، يمرون بمرحلة تاريخية مفصلية، فإما مسايرة العصر والخضوع لمنطقه وقواعده الدولية، والتعايش مع الآخر بسلام، وإما الدخول في حرب شرسة مع الجميع، وهي حرب معروفة نتائجها مسبقاً. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com