جرت مكالمة بيني وبين رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، وكان حينها نائباً في مجلس الأمة، وكنت رئيسا لتحرير «الكويتية».
دار بيننا حوار طويل حول استجواب كتلة «التحالف الوطني» الذي قدم للشيخ أحمد الفهد، أذكر وقتها أنني أبديت تحفظي على رفض الكتلة أي احالة للدستورية أو التشريعية، على الرغم من ان الاستجواب يتضمن محاور لا علاقة لها بوزارة الفهد حينئذ.
أتذكر جيدا رد بوعلي الذي قال: «نحن لا نحمل لشخص الشيخ أحمد الفهد الا كل مشاعر التقدير والاحترام، أما بصفته وزيراً فاننا مسؤولون أمام الله وأمام الشعب على محاسبته.. واذا كان الفهد قد قدم استقالته، فسنستمر بمتابعته ومتابعة كل مسؤول يأتي من بعده ولا يصلح هذه المخالفات.. حتى لو اضطررنا للجوء الى النيابة.. من أجل حماية المال العام».
قبل شهر تقريبا، تصدر جميع صحفنا الرئيسية مانشيت واحد: «خطة التنمية.. فشلت»! ومن ضمن الصحف التي أكدت هذا الأمر صحيفة يثق الرئيس مرزوق الغانم بمصداقيتها ثقة مطلقة.
في تلك الصحيفة جاءت افتتاحية لقريب مرزوق الغانم قال فيها كلمات تستحق ان تسطر بماء الذهب، جاء فيها: «قبل ان أستطرد، أوضح ان التنمية ليست مباراة لكرة القدم، فاذا كان المدرب خطط للفوز بخمسة اهداف لكن فريقه لم يسجل سوى هدف واحد فسيفوز بالنقاط الثلاث.في موضوع التنمية لا يمكن ان نقول اننا نجحنا اذا لم ينجز من الخطة سوى 10 أو 20 أو 30 أو %50، لا يمكن على الاطلاق القول اننا حققنا خطوات متقدمة في مسار الانتقال من حال الى حال.المشروع ينجح اذا أنجز «كاملاً» ويسقط اذا أنجز «جزئيا»، خصوصا في زمن لا يمكن معه اللحاق بحركة العمران والتطورات المستمرة التي تتطلب لمواكبتها أبطالا حقيقيين في الرؤية والنشاط والحركة والالتزام والعمل والانجاز والمسؤولية ونظافة الكف ونقاء الضمائر.
لذلك، لا يضحكن أحد على الكويتيين ويقول ان خطة التنمية نجحت لأن طريقاً فتح هنا وطريقاً مازال رهن التعبيد هناك.أو لأن أساسات مستشفى وضعت والباقي يحله الله، أو لأن بوابة المطار التي احترقت أصلحت بعد سنوات وتم فتح بوابة جنبها، أو لأن مشروع الجامعة قائم لكنه توقف بسبب منع الاختلاط، أو لان المدن الجديدة وضعت خرائطها لكن البدء بالبناء توقف بسبب معوقات البنى التحتية والكهرباء والمياه، أو… أو… أو…. ، كل هذا الكلام مأخوذ خيره، والكويتيون الذين يرون مدنا ومطارات ومستشفيات وجامعات وقطارات أنفاق تبنى من حولنا بأشهر وسنوات، فقدوا الأمل ربما بالتغيير خصوصا ان الفرصة الموجودة اليوم ماليا بسبب ارتفاع عائدات النفط قد لا تتكرر، خصوصا ان الكويت التي كانت رائدة في كل شيء لا تنقصها الامكانات ولا الخبرات»!.
كلام يستحق عليه كاتب الافتتاحية كل الثناء والتقدير لحسن تشخيصه للوضع الحالي.
لكن صاحب الافتتاحية، وكي لا يفسر كلامه خطأ بأنه ضد سمو رئيس مجلس الوزراء، ختم افتتاحيته بالقول: «قبل سنوات، بشر المسؤول الأول عن خطة التنمية الوزير أحمد الفهد الكويتيين بان الخطة ستنجح والتنمية ستنجز، مضيفا بالحرف: «والميه تكذب الغطاس».. .اليوم نترك الرد عليه لأهل الكويت الشرفاء.. والكرة في ملعب الحكومة.. فهل ستفتح الملف احتراماً للكويت والكويتيين؟».
سامح الله من كتب هذه الافتتاحية، فالفقرة الأخيرة، ربما دون قصد، جعلت من سمو رئيس مجلس الوزراء السابق وسمو الرئيس الحالي مجرد «سمنديقة» لا يحلان ولا يربطان، كما جعلت من أحمد الفهد «سوبرمان» يطيّر الحبال في الهواء! اذ على الرغم من استقالة الفهد في 2011 إلا ان خطته للتنمية، حسب رأيه، استمرت «كما هي»، واستمرت جميع أجهزة الدولة تعمل وفقا لتعليمات خطة أحمد الفهد، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منها وإلغائها أو تعديلها.. طوال السنوات التي تلت استقالة الفهد، حتى مع تأكيدهم أنها خطة «غير واقعية»! ورغم قناعتنا الشخصية بأن الرئيسين، السابق واللاحق، ليسا «طمبور طين» فيما يتعلق بخطة التنمية، وبأن العمل توقف مباشرة بخطة التنمية بعد استقالة الفهد، وبأن كثيراً من القوانين، التي تعتبر أعمدة أساس لتلك الخطة، قد تم تجميدها أو تغييرها، وبالأخص قانون الشركات المساهمة التي كان مفترضا ان توزع %50 من أسهمها على المواطنين في اكتتاب عام، وقانون الـ«بي أو تي»، وغيرها من القوانين التي أصبحت حاليا كما يشتهي «الطيبين»! كما أننا على قناعة بأن سمو الشيخ جابر المبارك يملك من الحنكة والنظرة الثاقبة ما لا يحتاج معه لخطة تنمية كي يبدأ.. بالتنمية.
فسمو الرئيس، حفظه الله ورعاه، كان قد أصدر تعليماته، قبل سنة ونصف، بخطة جديدة لبناء 3 مدن اسكانية، بدءا بالتصميم والانشاء وانتهاء بالتنفيذ، حيث قدرت حكومة سموه تلك المدن بنحو 40 مليار دولار. وقد تم ارسال الوزيرة، حينئذ، د.رولا دشتي للتفاوض مع الشركات الصينية لمباشرة العمل كشريك استراتيجي! ولا زالت كلمات سموه في ذلك اليوم ترن في اذني الى هذه اللحظة: «لدينا رأس المال، ولدينا الأراضي.. والشركات الأجنبية مستعدة للتنفيذ.. ولا ينقصنا إلا الغرار (بالغين وليس القاف)».
تصريح لا يصدر الا عن رجل صاحب قرار حازم وعزيمة مثل سمو رئيس مجلس الوزراء.ثم تستمر تصريحات سموه عن المليارات التي «سوف» تخصص لبناء تسعة مستشفيات جديدة، وجامعات حكومية متطورة، و«سكة قطر» كما يقول اخواننا المصريون، ومطار دولي جديد «لنك» خلال سنتين، ومسارح، وأوبرا، وجسور معلقة وشوارع واسعة تجعل الازدحام في خبر كان، و.. و..
واكتشف سموه، بالغلط، أنه في غمرة الـ«سوف وسوف»، أنه نسي ان يخصص ميزانية لكل هذه المشاريع! فجلس مع مستشاريه، وحسبوها حسبة بدو، ليخرج علينا سموه بتصريحه الأخير لمجلة «اكسفورد بزنس غروب» البريطانية، والذي يَعِدُ فيه الشعب الكويت بأنه سيحقق لهم: «تأمين الرفاه الاجتماعي.. واستدامة التنمية الاقتصادية.. والتنمية البشرية.. والتميز المؤسسي.. والاصلاح الاداري».. كل هذا وزيادة بمبلغ 100 مليار دينار.. فقط، ستنفقها الحكومة على أوجه الصرف التي تراها «مناسبة» خلال السنوات القادمة.
لكن ومع كل ما ذكرناه آنفا، سنجاري الافتتاحية، وسنؤيد القول إن أحمد الفهد لا زال «يشق ويخيط» بخطة التنمية على الرغم من استقالته، وإنه لهف 37 ملياراً من خزينة الدولة ووضعها في جيبه العلوي، دون ان يقول له ناصر المحمد أو جابر المبارك.. «ثلث الثلاثة كم»؟! وهنا سؤال يستحق ان يُطرح على دولة الرئيس مرزوق الغانم.. ألا يستحق مثل هذا المبلغ الخيالي ان يعطي رئيس مجلس الأمة تعليماته لـ«أصدقائه» من الأعضاء، بحيث يتم تقديم استجواب لرئيس مجلس الوزراء يسائله عن سبب فشل التنمية بالكويت، وما مصير المليارات التي صرفت منذ استقالة الفهد، ومن هو المسؤول عن توقف وفشل المشاريع التي ذكرها قريبه في افتتاحيته؟؟، فان تبين ان السبب هو أحمد الفهد، فقد وجبت معاقبة كل من تواطأ معه وأخفى عن سمو الشيخ جابر المبارك أن خطة أحمد الفهد التنموية لا زالت نشطة وتعمل في الخفاء! أما ان تبين ان سبب فشل التنمية هو شخص آخر غير الفهد، سواء كان هذا الشخص هو رئيس وزراء سابق أو لاحق، فقد وجب على مرزوق الغانم ان يبر بقسمه الذي أقسمه أمام صاحب السمو أمير البلاد، بأن «يذود عن مصالح الشعب وأمواله.. ويؤدي أعماله بالأمانة والصدق».
ونختم بفقرة جميلة جدا من الافتتاحية، ننقلها بتصرف: «ولنكن صريحين.. النجاح له مئة أب والفشل يتيم، هذا المثل يتحقق بامتياز في الكويت.انما دعونا نقول ان العدالة تقتضي الاعتراف بأن الفشل شيء والخطأ والاستغلال السياسي وتحمل المسؤولية شيء آخر، والعدالة تقتضي ألا يدفن رئيس مجلس الأمة رأسه في الرمال كالنعامة للمرة المليون.. بل ان يصدق لمرة واحدة مع نفسه ومع الكويتيين.. ويسمي الأشياء بمسمياتها.. ويحاسب من تسبب بالهدر والخسارة وأوصل ما يسمى خطة التنمية الى ما وصلت اليه»!.
٭٭٭
سمردحة: من صاحب هذه العبارة الشهيرة.. «لن أكون شيطانا أخرس»؟.