هذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها مقالاً على جزأين، وإن لم أكن أحبذ أن أكتب بهذه الطريقة لضمان وصول الفكرة من مقال واحد إلا أن عدم رغبتي في كتابة مقال طويل جداً هي ما يجعلني ألجأ إلى هذا الأسلوب اليوم، لذا فأنا أستميحكم العذر في ذلك. أن توفر الدولة الوظائف للمواطنين هو واجب دستوري عليها للأسف، ورغم تفهمي لأسباب النص الدستوري الملزم للتوظيف حين كتابة الدستور فإني أؤمن بأن هذا الإلزام ساهم في قتل طموح الكثير من المواطنين، وما في داخلهم من طاقة من أجل الاجتهاد والتعب في سبيل الحصول على وظيفة جيدة يبنون فيها حياتهم. فأن يولد الإنسان بضمانة التعليم دون النظر إلى جودته، وضمانة الوظيفة دون النظر إلى قدرات الإنسان، وضمان المساعدة عند الزواج، وضمان تقديم الأموال عن كل طفل يولد، أنهت معظم سبل الإبداع لدى هذا الإنسان، فالأمر أشبه بأن نقول للاعب كرة: لا يهم أن تتمرن أو تحافظ على وزنك أو تبدع في أدائك، ولا يهمّ أن تفوز أو تخسر فأنت ستكون لاعباً بكل الأحوال، وستحصل على راتب شهري دون النظر لما تقدمه لفريقك. كل تلك الضمانات أوصلتنا إلى النتيجة الحتمية التي نعيشها اليوم موظفين بساعات عمل قليلة يملؤون مختلف قطاعات الدولة، ومستوى إنتاجية قد يتمكن ربع موظفي الدولة من إنجازه دون عناء أو جهد يذكران، بل إن وجود هذا الكم من الموظفين يشكل عبئاً مالياً لن نستطيع في السنوات القليلة القادمة سداده من منتجنا الرئيسي والوحيد البترول. نعم قد يكون هناك بعض المتفوقين والمبدعين في قطاعات الدولة إلا أنهم النسبة القليلة التي كافحت لتخرج عن المألوف وتتميز، وقد لا يتحقق لها ذلك أحيانا لانتشار أمراض "الواسطة" والمحسوبية. وطبعا فإن عدم الاستمرار في هذا الوضع يعد ثامن المستحيلات، فلا الحكومة ولا المجلس قادران على تعديل الدستور بشكل يقلل مما يعتقده المواطنون رفاهية أصيلة لا يجوز التنازل عنها، ولا هما راغبان أيضا في تفعيل المادة الدستورية المتعلقة بأداء الضرائب على المواطنين بشكل يضمن حرصاً أكبر من الناس على مصالحهم لأنهم يقدمون الأموال للدولة، وهو ما سيدخلنا في حتمية الإفلاس القريب أو، إن صح التعبير، حتمية اللجوء إلى مدخرات الكويت طوال العقود الماضية من أجل سداد رواتب من لا ينتج أصلاً. لابد من أسلوب مختلف ينقذ ما يمكن إنقاذه ويحسن الوضع دون استفزاز من تربى على الرفاهية دون عمل أو إنتاج حقيقي. نتحدث عن هذا الأسلوب في المقال القادم. خارج نطاق التغطية: حجة اتحاد كرة القدم بقيادة طلال الفهد ومن معه بأن عدم وجود الدعم المادي هو سبب التراجع تدحضها قصة نجاح رياضية جميلة تسمى دورة الروضان الرمضانية التي لا تحظى بأي دعم مادي عدا مكان إقامة الدورة، المسألة مسألة إدارة لا يملكها الشيخ الدكتور ولا من معه فقط لا غير.