تقول الكاتبة اللبنانية منى فياض «.. اللبناني، ولأية طائفة انتمى، يشعر بالتميز كونه لبنانياً، حتى لابسات الشادور لديهن هذا الشعور، وعرفته منهن»! وكلام الزميلة جميل، ولكني سبقتها لهذا الاكتشاف الطريف بستين عاما تقريبا، يوم وقعت في حب لبنان، واللبنانيين في صيفية عام 1956، يوم سكنت في بيت «البدر» في ضيعة بحمدون، ومن يومها صار «القمر» أحلى. وتضيف منى قائلة: يعرف اللبناني أنه ينتمي إلى وطن مختلف عن محيطه، إن كان باسلوب معيشته، بصحافته ودور نشره وإعلامه ومطاعمه ومقاهيه وملاهيه الليلية. وعندما ينظر إلى الصبايا والشباب، يلمس شعورا بالانطلاق والانفتاح والتكيف والحرية في اختيار الأسلوب الذي يعيشونه. وهذا ما خبرته شخصيا على مدى العقود الستة الأخيرة، عندما التقيت وتعرفت وعاشرت وصاحبت المسيحي والشيعي والسني والدرزي، تجارا وكتبة ومفلسين، واصحاب مطاعم، و«شوفيرية تكسي» وكان من الصعب في غالبية الحالات التفريق بين تصرف المليونير وتصرف المديونير، فالكرم والنخوة هما اللذان كانا يجمعان صبي البقال بمدير البنك، بصاحب البنسيون بمدير الكافيه.. ولكن يجب الاعتراف أن كل ذلك، كان في طريقه للزوال، بحكم الزمن والحرب الأهلية وتزايد السكان وغيرها من أسباب لا تعد ولا تحصى، ففيروز اصبحت لا تعني الكثير ودوالي العنب لا يطرب الغناء تحتها وجرود بعلبك أصبحت جرداء أكثر ومأوى للمجرمين، وصنين الجبل أصبح منطقة عسكرية، وقمر مشغرة اصبح مغبرا من التلوث، ولكن مع كل ذلك يبقى وجه لبنان العتيق، لبنان المحبة والتسامح والجمال، طالما بقي مسيحيه فيه، فإن هم ذهبوا فسيذهب الأكثر معهم، وسيمحى كل ما كتبت منى فياض وغيرها عنه، وستغيب كل معاني كلمات فيروز وستتخشب قامات أو «كسم» الصبايا، وسينشف الماء من الدوالي، وستخلو الضيعة من أهلها ومن «قهوة الصبحية». هذه، بنظري الشخصي، حقيقة لا استطيع نكرانها، فإن كان أجمل ما في لبنان تنوعه الثقافي والمذهبي والديني والاثني، فإن مسيحييه يبقون زهرة ذلك التنوع، والحضن القادر أكثر من غيره على العطاء الفني والثقافي، والأكثر ترحيبا بالسائح والزائر والمريض والباحث عن الترفيه والتعليم والخبرة بالحياة. فكلما ضاقت بنا السبل في اوطاننا، كما تقول منى، فليس لنا غير لبنان الغني المتنوع والوجه المسيحي المشرق والمضيء، فهو بلد المسيحيين العرب الأول.. بلد الأقليات المتعددة المتعايشة جنباً إلى جنب.. المتقاسمين معا اللقمة والسلطة، في أصغر دولة عربية وأقلها موارد وأكثرها هشاشة.. وعطاء! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com