مضى أكثر من ثلاثة أشهر على نشر تقرير "الشال" الاقتصادي، الذي يمكن اعتباره أقوى جرس إنذار للحكومة ولأصحاب السلطة، والذي حذّر من الكارثة الاقتصادية القادمة في ما لو ظلت أمور الدولة على حالها من الميوعة السياسية وغياب الأولويات عندها وعند مجلسها النيابي، فلا يبدو أن أمراً ما يشغل هواجس الحكم، في أشهر صيفنا الثقيلة غير قضايا ملاحقات أصحاب الرأي، مع تزايد نشاط سلطة الحكم لإصدار المزيد من التشريعات لقمع الرأي وفرض الرقابة المسبقة عليه، كمشروع قانون الرقابة الالكترونية، أو سياسة تكريس استتباع جمعيات النفع العام لهيمنة وزارة الشؤون، التي تصبح، يوماً بعد يوم، ومثلها بقية وزارات الدولة ومؤسساتها، مرآة عاكسة لوزارة الداخلية، بما لها من سلطة بطش وقمع.
يستشهد تقرير "الشال" برأي كل من الشيخين د. محمد صباح السالم نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية السابق، والشيخ سالم الصباح محافظ البنك المركزي ووزير المالية السابق، حين حذّرا من تصاعد الإنفاق العام للدولة مع ثبات أسعار النفط، والنتيجة هي "تآكل حتمي للاحتياطيات المالية خلال خمس سنوات…" وأيضاً، وهنا مربط الفرس، أكد د. محمد الصباح، مستشهداً بتقرير المجلس الأعلى للتخطيط، حقيقة أن هناك فساداً في القيادات الإدارية للدولة، يرافقه قصور تشريعي في ملاحقة من انتفخت جيوبهم من المال العام.
وينتهي تقرير "الشال"، بعد أن أوجز قناعة الشيخين الحريصين، بعبارات تلخص واقعنا، إلى أن "ثالوث الهدر والفساد وسوء الإدارة قد يودي بمستقبل البلد، ومعه يبقى كل الحديث عن التنمية مجرد سراب".
من يذكر اليوم ذلك التقرير، أو يتذكر محاضرة الشيخ محمد الصباح أو تحذيرات الشيخ سالم الصباح؟ هذان الشيخان خرجا من الوزارة، وربما، من العمل السياسي، بعد أن أزكمت قضايا الفساد الأنوف، ولم يعد بإمكان أي منهما البقاء على كرسيه العالي و"الصهينة" واللااكتراث، مع تصاعد صخب دوي صوت أجراس ثالوث الدمار "الهدر والفساد وسوء الإدارة"، أما صاحب تقرير الشال جاسم السعدون، فينطبق عليه قول الشاعر "لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً".
مضى أكثر من ثلاثة أشهر على تحذيرات التقرير وأصحابه، لم نقرأ، ولم نطالع خلالها خبراً يتيماً من أهل القرار يطمئن العقول القلقة على مستقبل الدولة، وأضحت أحلام الواعين من شبانها وشاباتها، كوابيس تحرقهم ببطء على جمر القلق والمجهول.
ماذا حدث في أشهر الصيف الملتهبة غير تناقل أخبار قمع الرأي بسياسة الملاحقات القضائية أو بسلاح سحب الجناسي الخطير؟! غير ذلك، لم يحدث شيء، فنحن على حالنا القديم، مازلنا على طمام المرحوم.