مازال نوري المالكي متمسكا بولاية ثالثة لرئاسة الحكومة العراقية ولو على بقايا العراق والعراقيين، الجميع بدأ يتخلى عنه حتى حلفاؤه الرئيسيون في الائتلاف الوطني كالتيار الصدري وكتلة المواطن والمؤتمر الوطني باتوا متذمرين منه، فالحكيم أكد أن «المالكي فقد كل نفوذه السياسي وأصبح خطابه مفلسا»، فيما حث مقتدى الصدر ائتلاف دولة القانون على «سحب دعمه للمالكي لتولي منصب رئيس الوزراء لفترة ثالثة، واختيار مرشح آخر».
أما المرجع الشيعي الأعلى في العراق السيد علي السيستاني والذي طالما كان الداعم الرئيسي للمالكي، فطالب في خطبة الجمعة التي ألقاها نيابة عنه أحمد الصافي «بتشكيل حكومة تحظى بقبول وطني واسع» فسرها كثيرون بأنها دعوة لإزاحة المالكي.
وإقليميا، ما زالت إيران الدولة الوحيدة التي تدعم المالكي، فتصريح نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان يفهم منه ذلك، إذ قال إن بلاده «تدعم ترشح رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي لولاية إضافية».
وعلى المستوى الدولي لا تبدو التصريحات الأميركية متحمسة لبقاء المالكي، إذ أكد وزير الخارجية جون كيري في مقابلته الأخيرة مع المالكي الأسبوع الماضي أن الأميركيين «قلقون من استياء الأكراد والسنة وبعض الشيعة من القيادة الحالية في العراق، وسنكون سعداء بأن يختار العراقيون قيادة مستعدة ألا تقصي أحدا وأن تتقاسم السلطة مع الأطراف الأخرى».
أما روسيا فموقفها مازال غير واضح، وإن كانت حتى الآن تدعم حكومة المالكي عسكريا من ضمن جهودها لمحاربة الإرهاب، كما يظهر من صفقة طائرات سوخوي الأخيرة التي يعتقد أنها إيرانية بغطاء روسي.
ولو عدنا إلى المشهد السياسي العراقي الداخلي ونتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، نجد أن المالكي المنتهية ولايته في رئاسة الحكومة يؤكد أن «ائتلاف دولة القانون هو أكبر كتلة نيابية ويملك الحق في تشكيل الحكومة ولا يحق للجانب الآخر إملاء شروط عليه».
وبالمقارنة مع نتائج انتخابات 2010 وتفسيرات المالكي وتجمعه آنذاك للدستور والمادة 76 بالتحديد والتي تنص على أن «يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء».. نجد أن المالكي وقتها كان وحلفاؤه يجزمون بأن المادة 76 لا تعني الحزب ذا العدد الأكبر من المقاعد في البرلمان بل الكتلة أو التحالف الذي قد ينشأ في الانتخابات أو حتى بعدها، لأن نتائج انتخابات 2010 لم تكن تسعفه باعتبارها أظهرت تقدم إياد علاوي وقائمته العراقية التي حصلت على 91 مقعدا بينما حصل ائتلاف دولة العراق بقيادة المالكي على 89 مقعدا.
وقتها احتسب المالكي وحلفاؤه كل مقاعد التحالف الموسع والمسمى آنذاك بالائتلاف العراقي الموحد وكان يضم أحزابا شيعية عدة، بحيث حصل المالكي على 128 مقعدا ورجحت كفته على إياد علاوي ونودي به رئيسا للحكومة.
لذلك فإن الدعوة الآن إلى تحالف سياسي موسع يجمع أكثر من حزب شيعي باستثناء حزب المالكي، هي دعوة لا تخالف الدستور ولا العرف ولا السوابق السياسية، وستكون مخرجا للتيارات الشيعية لاختيار مرشح جديد لرئاسة الوزراء، تمهيدا لتشكيل حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها كل الأطياف السياسية في العراق لتتصدى للملف الأمني الخطير والذي يهدد وحدة البلاد.
العراق يعاني من أزمات عدة، فتنظيم «داعش» يعلن الخلافة على أجزاء من البلاد، بينما يحاول الزعيم البارزاني أن يقتطع جزءا آخر ليعلن استقلال الأكراد فيه، مستفيدا من تردي الأوضاع الأمنية وضعف الحكومة المركزية.
أما الأزمة الكبرى بل ربما أم الأزمات العراقية كلها، تبقى سعي المالكي لولاية ثالثة ليستمر في تمزيق العراق بسياسته الطائفية والتي شهد عليها حلفاؤه قبل خصومه.
لا شك أن المالكي حكم العراق ولايتين كاملتين بكل ديكتاتورية متخندقا بخندق الطائفة، فمزق الدولة ومؤسساتها وآخرها الجيش العراقي، والآن وبعدما عارضته طائفته يحاول التضحية بكل ما هو مقدس من أجل أن يبقى في كرسي الحكم.