ما زلنا نتصدر دول الخليج في المجال الفني وتحديداً في مجال المسلسلات والمسرح، فقنوات الخليج التلفزيونية تتسابق على شراء الأعمال الكويتية لتملأ بها ساعات رمضان رغم ضخامة مبالغ شراء تلك الأعمال في إشارة واضحة إلى كثافة متابعة أبناء الخليج للأعمال الفنية الكويتية. وعلى الرغم من أن التهافت على الأعمال الكويتية ليس بالأمر الجديد فإن اللافت أنه ورغم إجماع العاملين في الوسط الفني الكويتي على تراجع مستوى الأعمال الكويتية بشكل ملحوظ فإن الإقبال على هذه الأعمال محليا وإقليميا لا يزال كبيراً، في إشارة واضحة إلى أن الكويت هي "ترمومتر" فني لدول الخليج، ليس فنياً فحسب بل هو اجتماعي أيضاً، لأن ما يعرض على الشاشات يدخل إلى كل بيت دونما استئذان، ويؤثر بشكل مباشر في المتلقي أيا كان، وهذا ما يعني بالضرورة أن تراعي الدولة بالمقام الأول جودة ما يقدم؛ لأنه يؤثر سلباً أو إيجاباً في المنطقة بأسرها. فمن غير المعقول أن تكون كل النصوص الكويتية هشة لدرجة أنها لا تستطيع تقديم مادة فنية مدتها نصف ساعة يوميا طوال شهر رمضان بإجمالي 15 ساعة فقط طوال الشهر!! فنشهد جميعاً كيف تعبأ مسلسلاتنا بمناظر خارجية طويلة أو لحظات صمت لفنان أو فنانة أو حوار لا طائل منه ولا مغزى رغم كثرة المواضيع التي من الممكن طرحها والتعمق فيها، ومن غير المعقول أيضا أن تختزل كل القصص في قضيتين أو ثلاث قضايا فقط منذ عقود طويلة إلى يومنا هذا. نشاهد يوميا كيف يتساقط رواد الفن أمامنا بأعمال هابطة لا ترقى إلى أن تصوّر أصلاً، والهدف هو الوجود في الساحة الإعلامية فقط، حتى المسلسلات التي يمكن أن نستحمل مشاهدتها رغم المط والتطويل لا تعدو أن تكون إلا مضيعة للوقت ولأنها أفضل الموجود ولكنها حتما سيئة. إن ما يحدث اليوم من تراجع في المجال الفني تحديداً، والذي أعتبره من أكثر المجالات أهمية لأنه الوحيد القادر على الوصول إلينا دون استئذان أو رغبة أحياناً، يتطلب بلا شك أن تساهم الدولة في النهوض به، ولا يكون ذلك من خلال لجان رقابية على النصوص، فالرقابة على النصوص تأتي لاحقاً إن قامت الدولة بتأهيل القطاع الفني بالشكل المناسب من خلال مؤسساتها التعليمية التي تعنى بالفن والمعايير الأساسية التي يجب أن يصل إليها العاملون في هذا المجال؛ كي يتمكنوا من تقديم أعمالهم للناس، حينها لن نحتاج إلى أن تكون هناك لجان رقابية، فإذا تم تأهيل من يعمل في الوسط الفني وفق أسس سليمة فستتولد لديهم حتما مسؤولية اجتماعية تجاه ما يقدم. نعم التعليم بشكل عام يمر في محنة بالكويت، إلا أن مشاهدة الأعمال المصورة اليوم سواء عبر شاشات التلفزيون أو الإنترنت بات جزءاً من حياة الأغلبية العظمى في الكويت، وهو ما يعني أنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من تشكيل سلوكات الأفراد، وتجاهل هذا الأمر سيزيد الوضع سوءاً بكل تأكيد.