ورد في مقال للكاتب الأردني جهاد علاونة، الحوار المتمدن 6/4، أنه طالما حلم بوجود مستوطنة أو قرية تكون فيها بيوت ذات أبواب مشرعة يسكنها طالبو السماح والغفران، يسكنها طالبو السلام مع الآخرين، سواء أكانوا يهودا أو مسلمين أو مسيحيين، وغيرهم. وتمنى في مقاله أن يرى كل هؤلاء جيراناً متحابين، عاشقين للسلام والغفران، متمنين أن يعم ذلك العالم كله، فلا أسوار عالية ولا أسلاك شائكة، ولا تدقيق هويات، ولا تحديد بصمات. وتساءل في مقاله: أين هم أولئك الذين يطلبون المحبة من الله ومن الناس؟ أين هم الودعاءُ والرحماءُ الذين يحبون أن يرحمهم الله؟ أين هي تلك البيوت المفتوحة أبوابها وأسقفها لأشعة الشمس؟ أين هي القلوب التي ترق لكلمة السلام؟ أين هي العيون التي تدمع لسماع تحية السلام؟ أين هم الباحثون عن الغفران والمحبة والتسامح؟ أين هم الناشطون في عملية السلام؟ لماذا لا يبنون لنا بيوتا يكون اسمها: بيوت الباحثين عن السلام؟ أين هي تلك البيوت التي تباركها أنشطة السلام؟ لماذا نبني مساجد للعبادة لا يذكر فيها اسم المحبة والسلام؟ لماذا لا ننفق الملايين لنبني قرى صغيرة يسكنها اليهود والمسلمون جنبا إلى جنب كجيران متحابين، يتوقون لسماع كلمة المحبة والسلام العالمي. نحن بحاجة الى أن نجرب، أن نعيش سوية في قرية واحدة أو حارة واحدة، نخاف على بعضنا، وتهفو قلوبنا إلى قلوب بعض، نحزن لحزن بعضنا بعضا، ونبكي لبكائهم ونتألم من أجلهم بعضنا.
ولكن الكاتب تناسى أن من بيدهم فعل ذلك سيكونون اكبر الخاسرين من مشروعه، فرجال الدين والسياسة تكمن فائدتهم، وتقوى شوكتهم، ويشتد الطلب عليهم بوجود الاختلافات بين المجتمعات والدول والشعوب والأمم. فشركات الإعلان العالمية مثلا ستبذل المستحيل لكي لا تتحد جهود كل شركات صنع السجائر أو منتجي المشروبات الروحية أو الغازية، فاتحاد هؤلاء وغيرهم من أصحاب العلامات العالمية يعني خسارة عملاء كبار، ففائدتهم الكبرى وقوتهم العظمى تكمنان في اختلافهم وليس في اتحادهم.
وهكذا رجال الدين والسياسة فإن عم السلام وانتشرت المحبة فإن دورهم سيقتصر على وظيفتهم الأولى والأصلية، وهي إدارة الدولة أو الدعوة للعبادة، وحل قضايا البشر الاجتماعية والشرعية وحضور زواجهم ومآتمهم، وتنفيذ المشاريع وتحصيل الضرائب وغيرها، وليس اللعب على مشاعر البشر والاستفادة من اختلافاتهم، وبث الخوف من هذه الفئة للحصول على أصوات غيرها، وتأجيج النفوس وشحن العواطف وبث كراهية الآخر، ونشر الضغينة، والتكسب الكبير من الاختلاف بين فئات المجتمع.
أحمد الصراف