المواعظ والنصائح المشيخية للناس مضحكة، وتذكّرني "بحزاوي" (حكايات شعبية) أمنا حبابة أيام زمان، فالشيخ سلمان الحمود وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب ينصح الشباب ويحذرهم "اقرأوا ما يحدث في الجوار"، ليمتنعوا عن التجمعات والتظاهر.
والجوار الذي يقصده الشيخ سلمان هو دول "المأساة العربية"، بتعبير افتتاحية "الإيكونومست"، والتي من بينها دول تنحرها وتفتتها الحروب الأهلية مثل العراق وسورية، وأخرى فاشلة مثل ليبيا واليمن، وثالثة عاد إليها الحكم العسكري التسلطي مثل مصر، بعون ومباركة نعمة "البترو دولار"، والكويت أحد رموز العون التي قادت الثورة المضادة.
المهم أن شيخنا الوزير يريد من الشباب أن يتعظوا ويتعلموا من حالة الكرب في دول الجوار حتى لا نصبح في مثل وضعهم، الذي وصل إلى حالة اللادولة المأساوية وإلى الاقتتال الداخلي الذي يُغذَّى بعون الخارج، والتي ما كان لها أن تصل إلى تلك الحالة، لو أنها سمعت كلام حكامها "الديمقراطيين" البعيدين عن عوالم الفساد، والذين حكموا دولهم بمسطرة سيادة القانون، أي بالمساواة أمام حكم القانون!
نصيحة الوزير أسمعها كثيراً من "عجايز" مساكين "على نياتهم" وسذاجتهم السياسية، فكثيراً ما "يتحلطم" الأمهات والآباء والجدات على ممارسات الرفض الشبابية وتظاهراتهم بتعبيرات مثل: ماذا تريدون؟! شوفوا غيرنا، احنا بخير ونعمة وأمان…! وتختم رسالة التوبيخ العجائزية بالختمة التقليدية بأن "شيوخنا ما قصّروا"! صحيح أن عدداً من شيوخنا ما قصّروا حين استحوذوا على كل مفاصل الحكم في الدولة، وأخذوا يتنازعون فيما بينهم على كعكة الحكم.
أما دول الجوار التي يتعين على شباب الكويت المتذمرين أن يقرأوا حالها اليوم، كما يريد شيخنا الوزير، فهي وإن اختلفت تركيبتها السكانية عن الكويت إلا أن ما حدث ويحدث فيها اليوم، كان نتيجة حتمية لحكم عسكري أو تسلطي امتد عقوداً طويلة، واستبعد حكامُها كلَّ صور المشاركة الشعبية، وجلسوا على صدور الشعوب، وقتلوا "اللحظات الليبرالية" التي توهجت قليلاً بعد حقب الاستعمار، وأجهضوا كل محاولات بناء المجتمع المدني، وكرّسوا الفساد السياسي والإداري لجماعات "أم أحمد العجافة"… فإذا كان علينا أن نقرأ حالهم اليوم، فمن باب أولى أن نمد النظر إلى تاريخ تلك الدول المفككة المتناحرة اليوم، وأن نستوعب ماضيها الذي أوصلها إلى هذا الحاضر المزري، فهل هذا الدرس الذي يريد معالي وزير الشباب أن يتعلمه شبابنا اليوم ليسيروا على مسطرة الحكومة؟ وهل عليهم أن يغمضوا أعينهم عن المستقبل، وأن يكبحوا جماح قلقهم المشروع، ويسلموا أمرهم لشيوخنا بالكبيرة والصغيرة مرددين شعار "أنتم أبخص" و"يارب لا تغير علينا…" أم ماذا يا معالي الوزير؟!
اليوم: 10 يوليو، 2014
حلم جهاد
ورد في مقال للكاتب الأردني جهاد علاونة، الحوار المتمدن 6/4، أنه طالما حلم بوجود مستوطنة أو قرية تكون فيها بيوت ذات أبواب مشرعة يسكنها طالبو السماح والغفران، يسكنها طالبو السلام مع الآخرين، سواء أكانوا يهودا أو مسلمين أو مسيحيين، وغيرهم. وتمنى في مقاله أن يرى كل هؤلاء جيراناً متحابين، عاشقين للسلام والغفران، متمنين أن يعم ذلك العالم كله، فلا أسوار عالية ولا أسلاك شائكة، ولا تدقيق هويات، ولا تحديد بصمات. وتساءل في مقاله: أين هم أولئك الذين يطلبون المحبة من الله ومن الناس؟ أين هم الودعاءُ والرحماءُ الذين يحبون أن يرحمهم الله؟ أين هي تلك البيوت المفتوحة أبوابها وأسقفها لأشعة الشمس؟ أين هي القلوب التي ترق لكلمة السلام؟ أين هي العيون التي تدمع لسماع تحية السلام؟ أين هم الباحثون عن الغفران والمحبة والتسامح؟ أين هم الناشطون في عملية السلام؟ لماذا لا يبنون لنا بيوتا يكون اسمها: بيوت الباحثين عن السلام؟ أين هي تلك البيوت التي تباركها أنشطة السلام؟ لماذا نبني مساجد للعبادة لا يذكر فيها اسم المحبة والسلام؟ لماذا لا ننفق الملايين لنبني قرى صغيرة يسكنها اليهود والمسلمون جنبا إلى جنب كجيران متحابين، يتوقون لسماع كلمة المحبة والسلام العالمي. نحن بحاجة الى أن نجرب، أن نعيش سوية في قرية واحدة أو حارة واحدة، نخاف على بعضنا، وتهفو قلوبنا إلى قلوب بعض، نحزن لحزن بعضنا بعضا، ونبكي لبكائهم ونتألم من أجلهم بعضنا.
ولكن الكاتب تناسى أن من بيدهم فعل ذلك سيكونون اكبر الخاسرين من مشروعه، فرجال الدين والسياسة تكمن فائدتهم، وتقوى شوكتهم، ويشتد الطلب عليهم بوجود الاختلافات بين المجتمعات والدول والشعوب والأمم. فشركات الإعلان العالمية مثلا ستبذل المستحيل لكي لا تتحد جهود كل شركات صنع السجائر أو منتجي المشروبات الروحية أو الغازية، فاتحاد هؤلاء وغيرهم من أصحاب العلامات العالمية يعني خسارة عملاء كبار، ففائدتهم الكبرى وقوتهم العظمى تكمنان في اختلافهم وليس في اتحادهم.
وهكذا رجال الدين والسياسة فإن عم السلام وانتشرت المحبة فإن دورهم سيقتصر على وظيفتهم الأولى والأصلية، وهي إدارة الدولة أو الدعوة للعبادة، وحل قضايا البشر الاجتماعية والشرعية وحضور زواجهم ومآتمهم، وتنفيذ المشاريع وتحصيل الضرائب وغيرها، وليس اللعب على مشاعر البشر والاستفادة من اختلافاتهم، وبث الخوف من هذه الفئة للحصول على أصوات غيرها، وتأجيج النفوس وشحن العواطف وبث كراهية الآخر، ونشر الضغينة، والتكسب الكبير من الاختلاف بين فئات المجتمع.
أحمد الصراف