رد فعل السلطة بقمع تظاهرة مسجد الدولة يوم الأحد الماضي لا يمكن وصفه بغير كلمات مثل الحماقة والتشنج واستعراض القوة الوحشية وممارسة القمع، التظاهرة كانت سلمية ومنضبطة، لم يرد المتظاهرون القيام بأي عمل من أعمال العنف أو التخريب للممتلكات العامة، كما حدث على سبيل الاستثناء في أحداث حرق حاوية قمامة أو إطلاق الألعاب النارية على رجال الأمن أو إلقاء قنبلتي مولوتوف على السجن المركزي قبل أيام في ضاحية صباح الناصر، والتي تسمى الآن ضاحية مسلم البراك، من المتظاهرين الساخطين على الوضع السياسي العام، والناقمين على عجز السلطة عن وضع الأمور في نصابها بقضايا فساد تتنامى ككرة الثلج، وتلك كانت أعمال مراهقة صبيانية خرجت عن الطوع في وقتها، أيضاً ليست هي حكاية الحبس الاحتياطي للنائب السابق مسلم البراك رمز المعارضة سبب التظاهر، بل كان الحبس مجرد مناسبة لإطلاق بركان الغضب في نفوس الرافضين لهذا الواقع.
لم تكن هناك مناسبة ولا سبب كي يطلق قناص القوات الخاصة رصاصة مطاطية على رأس الناشط السياسي عبدالهادي الهاجري، ويدخل الضحية في وضع صحي خطير، وكأن هناك معركة دامية بين السلطة الشرعية وجماعات إرهابية أو غوغائيين "هيلق لفو"، كما يحلو لدوائر أهل المصالح المتحلقين حول السلطة وتوابعها أن يصفوهم، ولم يكن هناك أي مبرر، قبل ذلك كي يهشم ساق الشاعر أحمد سيار لمجرد أنه "شاعر" يهز وجدان المجتمعين بأهازيجه، ولماذا القنابل الدخانية والصوتية والقبض على العشرات من المتظاهرين لتفريق جماعات شباب متألمين من أوضاع الدولة أتوا كي يعبروا عن رأيهم، بعد أن سدت أمامهم قنوات التعبير، وأضحى الشباب على قناعة بعدم جدوى المطالبات الصوتية المتناثرة بالإصلاح السياسي، بعد أن وضعت السلطة أصبعيها في أذنيها كي لا تسمع ولا تكترث لصوت العقل.
الخيبة واليأس من تلك الأوضاع الرخوة قادت المتظاهرين للتظاهر، كي يقولوا كلمة "لا" كبيرة للسلطة، ويصرخوا بصوت عال بأنهم مواطنون يقلقون من القادم وواعون لقضايا تصيب مستقبلهم، وليسوا قطيعاً من الأغنام يقادون للمسالخ، ولا معنى كي يتذرع بعض مدعي "الحكمة" السياسية بأن ساحة الإرادة كانت مفتوحة للمتظاهرين كي يقولوا كلمتهم هناك "حسب القانون"، الذي صاغه هؤلاء الحكماء أنفسهم، أو أن يفسر "حكماء الاستقرار" بأن التظاهرات غير مرخصة (أيضاً حسب القانون)، فرسالة المتظاهرين بحد ذاتها هي تحد لتلك القوانين القامعة للحريات واللادستورية، ولا معنى لرسالة الغضب هذه متى قيدت بأغلال الامتثال لأوامر السلطة.
لا يهم أن نتفق أو لا نتفق على مطالب جماهير المتظاهرين، المهم أن تقتنع السلطة بحقهم في التعبير السلمي عن مطالبهم حسب المضامين الدستورية، لا حسب قوانين "حاضر يا أفندم" السارية.