بالتأكيد، لن يأكل المواطن «لقمة عيش» وهو يقرأ أطناناً من التصريحات والإنجازات والفتوحات والانطلاقات في الصحف وفي وسائل التواصل الاجتماعي وهو لا يرى شيئاً على أرض الواقع!
يبدو لي أن على المسئولين في الدولة أن يتنبهوا لموجة «بس بالكلام» التي لم يقصر الأخ غلام في مسلسل «درب الزلق» في تأسيس قاعدتها في الكثير من المجتمعات التي يعاني فيها الناس من ثقل ملفات كثيرة في الإسكان والتوظيف، ومستوى الأجور والتعليم والصحة، فيما لا يتعب حنك المسئول من تكرار إنجازاته الخارقة.
لابد من تحويل الهرج الذي لا طائل من ورائه إلى عمل حقيقي. نعم، هناك عمل دون شك على أرض الواقع، وهناك مشاريع، وهناك برامج. هناك خدمات لا بأس بها، لكن هناك الكثير الكثير من الكلام والوعود الوردية التي جعلت شريحة كبيرة من المواطنين، يتذمرون ويشمئزون و(ينقهرون) أيضاً من تكرار الكلام الذي للأسف، وجدنا أن هناك من يلمعه ببريق كاذب من نواب وأعضاء بلديين وخطباء منابر.
حالة «بس بالكلام» ليست جيدة بالمرة، فهي حالة لها من السوء ما يمكن أن يجعل المواطن يتشبع من مدد الانتظار والأمل والترقب، ثم يجد كل ذلك سراباً لا مكان له في حياته!
* بس بالكلام: منذ مطلع العام 2000 وما تلاه من سنوات، لنقل بين 2001 إلى 2007، كانت قائمة المشاريع والتخطيطات والتمطيطات والاستعدادات التي تتحدث عن تطوير حوالي عشر مناطق ساحلية ملأت الدنيا. كل يوم تصريح في الصحافة، وكل يوم زيارة يقوم بها الوزير علان والمسئول فلتان. بل شمرت بعض القطاعات الاستثمارية عن سواعدها لبدء المرحلة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة ثم العاشرة ثم الحقيقة… هي المرحلة «صفر».!
* بس بالكلام: حين أزور -حالي حال غيري من المواطنين- السوق المركزي هذه الأيام، أيام الشهر الفضيل، لا سيما وقت الظهيرة مع اشتداد حرارة الشمس، أعود إلى فترة منتصف التسعينيات حينما كان الحديث عن مفاجآت عظيمة كبرى في المستقبل لتكييف السوق المركزي. رسومات هندسية تروح وأخرى تجيء. صورٌ في الصحافة لمسئولين يتحلقون حول خارطة، هذا يؤشر على الورق وذاك يؤشر إلى (ما أدري وين)، وفي النهاية… خلها على الله!
* بس بالكلام: يبدو لي أن الحديث عن العدد المتوقع للبيوت الآيلة للسقوط التي كانت ضمن «الحلم الجميل» لهدمها وإعادة بنائها ربما أكثر بكثير من عددها الحقيقي. حتى الآن، ووفق خدمات «بس بالكلام» المتقدمة، فإن الآلاف في انتظار تلك العملية المبهرة، الهدم والبناء، ومن بينهم ذوو حالات خاصة ومتقاعدون وأسر معوزة وأرامل، لكن المشكلة ليست فقط «بس بالكلام»، بل يضاف إليها «بس ميزانية ما ميش».
* بس بالكلام: لجان واجتماعات وتصريحات ولقاءات تعقد بين الحين والحين، زعماً بأنها تدخل ضمن التوجه لمحاصرة الطائفية والتمييز المذهبي ومعاقبة كل من يسيء إلى أي مواطن مهما كان دينه ومذهبه. والغريب في أن كل ذلك، وعلى الرغم من أنه هراء في هراء، إلا أن البعض من المواطنين المساكين يصدّقون، ويدعون بالخير وطول العمر والتوفيق لمن سار على هذا الطريق، ليترجم الأقوال إلى أفعال في مواجهة كل الطائفيين وكل الفاسدين والمفسدين، وكل الداعين إلى ضرب أتباع هذا المذهب أو ذاك بيد من حديد. لكن الأغرب أن كل ذلك الكلام والهرج والمرج، يذهب هباءً ويبقى الطائفيون والمفسدون والناعقون وأسود الطائفية في قوة بأس… من يشهد للعروس؟
* بس بالكلام: الخدمات الإسكانية ومشاريعها على مد البصر، هنا وهناك رغم شح الأراضي. الغريب، وبعيداً عن «بس بالكلام»، هو أن 918 طلباً لمواطنين تم إحياؤها بعد إلغائها، والسبب كما قيل وقيل وقيل.. تحويل نوع الخدمة الإسكانية المطلوبة إلى خدمة أخرى، (الأمر الذي ترتب عليه إلغاء الطلب الإسكاني الأول واعتماد الطلب الإسكاني الحديث اعتباراً من تاريخ التقدم به)! أها… مو «بس بالكلام يبه»، اعتباراً من هذا الأسبوع سيتم استقبال المواطنين المستفيدين من ماذا؟ من بيت؟ لا. من أرض؟ لا. إذاً، من وحدة سكنية تمشي الحال… لا؟
سيتم استقبال 918 مواطناً من «المستفيدين» من «إحياء طلباتهم».. أويلي ويلاه.. رؤية واستراتيجية وفلوس لا نعرف أين تذهب حيناً، ونعرف حيناً آخر… وتاليها بس بالكلام.