“>أستمتع شخصياً بالمشي وأعتبره رياضتي المفضلة، أو ربما الوحيدة. وأقضي أحيانا فترات طويلة وأنا أمشي، وغالبا بمفردي، وبغير الاستعانة بجهاز الموسيقى أو برفيق درب أو هاتف نقال، وأتوقف لدقائق بين الفترة والأخرى، لتناول فنجان قهوة أو كأس ماء. ولكن تقريرا في الـ«بي بي سي» ونقدا صحافيا لكتاب «فلسفة المشي» لمدرس الفلسفة الفرنسي فردريك كروFrederic Gros أضافا الكثير للقليل الذي أعرفه عن المشي.
يقول كرو إن المشي ليس رياضة بل ممارسة، فالرياضة تتطلب الالتزام بقواعد أخلاقية معينة وتتطلب بذل جهد محدد، ولكن ممارسة المشي أمر مختلف فهي الطريقة الافضل لأن نبطئ من تسارع حياتنا العصرية، التي على من يود مجاراتها الانشغال مثلا بقيادة سيارة سريعة أو طائرة، وليس المشي.
يقول كرو ان المشي هو هروب من الهوية ونوع من الصفاء النفسي الذي يأتي من أتباع درب ما، وانه نوع من العيش لساعات مع النفس، وان كثيرا من الفلاسفة كانوا مشاة عظاما وجادين، وان المشي يوميا ليس فقط عاملا للابتعاد عن موقع أو مكان العمل، بل وايضا أمر جوهري لأنه يقوم بتحريرنا من فضاء أو مكان العمل ومن تسارع نبض الحياة. كما أن التكرار في المشي يعطي الدافع لأن ننسى أمورا غير مهمة ولكنها تشغلنا، والأفضل نسيانها والانشغال عنها بالتفكير الإيجابي. ويقول ان سكان المدن الكبيرة، وفي الغرب بالذات، يُعتبر المشي بالنسبة لهم نوعا من الترف الذي ليس بمتناول الكثيرين منهم، وهذا يعني أننا في الكويت مثلا محظوظون أكثر من غيرنا في وجود هذا الخيار بمتناولنا جميعا تقريبا، ولكن قلة فقط تستفيد من هذا الأمر. كما أن بضع خطوات لا ينتج عنها طريق فإن التفكير القصير لا يخلق فكرة، وبالتالي نحن بحاجة الى أن نسير مسافة أطول لنفكر لفترة أطول. ويورد المؤلف روايات عدة عن شخصيات خلاقة شهيرة توصلت للكثير أثناء سيرها، وهي تفكر. وأن النحات الشهير Constantin Brancusi سار لمسافات طويلة. كما أنPatrick Leigh Fermor كتب عدة مجلدات عن الترحال، عندما كون أفكارها وهو يقطع المسافة بين مدينته الصغيرة في هولندا ومدينة اسطنبول التركية. كما أن الكاتب البريطاني الشهير جورج أورويل George Orwel، والاقتصادي نسيم طالب هما ممن استلهما الكثير من أفكارهما أثناء مشيهما. ويقول اننا لسنا بحاجة لأن نكون عباقرة أو مؤلفين كبارا لكي نمشي، فالسعي لأن نمشي لغير هدف أمر مهم جدا. كما أثبتت تجارب علمية أنه حتى المشي على الآلة treadmill يمكن أن يحسن التفكير الخلاق. وأن كثيرين يعتقدون أن بقاءهم خلف مكاتبهم سوف يمكنهم من حل ما قد يواجههم من معضلات، ولكن الحقيقة ان الخروج من محيط المكتب والسير لغير هدف يساعدان أكثر في إيجاد الحل لما يشغلنا.
كما أن ممارسة المشي على انفراد أو مع شخص آخر أفضل من المشي في مجموعات، فالضوضاء التي يخلقها الجمع الكبير تكون آثارها سلبية على التفكير عادة.
والآن هل نحتاج الى أدلة أكثر لأن نتحرك ونمارس المشي، يوميا؟
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com