عندما كنت أعيش في بريطانيا قبل سنوات، كنت وغيري نستغرب كثيراً تسامح، أو غض نظر سلطاتها عن تصرفات اللاجئين الأجانب فيها. كما كنا نستنكر تشجيعهم الرسمي وغير الرسمي لهم، وكنا نتوقع أن كارثة ستحدث بسبب وجود كل هذا العدد من المتطرفين بينهم، والذي كان همهم الأساسي خلق تجمعات «اثنية» ودينية، وتأسيس الجمعيات وبناء المساجد وخلق الكتل والتجمعات المضادة لغيره. ولم يكن غريبا مثلا رؤية فارين من الحرب العراقية – الإيرانية في شوارع لندن، وهم يتسكعون من دون عمل، ليتحولوا بعدها بأشهر قليلة الى مقيمين دائمين، وحتى الى ملاك بيوت توفرها بلدية المنطقة لهم! وقد شجّعت تلك السياسات «الإنسانية» الكثير من «الأجانب» على فعل المستحيل للوصول إلى بريطانيا أو اللجوء إليها، لسبب أو لآخر، وخاصة من المضطهدين العرب، أو المسلمين، وما أكثرهم وأكثر بلاويهم واضطهاد بعض حكوماتهم لهم.
وفجأة، وقبل بضعة أيام، انتفضت بريطانيا، أو رئيس وزرائها الذي تساهلت حكومته وما قبلها كثيرا مع الدعاة والمتشددين الإسلاميين، بعد أن وصلت رسالة نشر ثقافة الخوف والترهيب الديني، ليس للشوارع البريطانية، من خلال منطق وأسلوب الكثير من «الدعاة»، في القنوات التي تُبَث من بريطانيا، بشكل يدعو إلى الغثيان، بل وصل الخطر إلى المدارس البريطانية، والإسلامية بالذات، التي بدأت في بعضها عمليات فصل التلاميذ بعضهم عن بعض بسبب العقيدة أو الجنس. كما أصبح ما يحصل عليه الكثير من الدعاة من أموال ضخمة من الخارج مصدر توتر للحكومة، وأصبحت الهوية البريطانية المميزة محل تساؤل نسبة كبيرة من هؤلاء «البريطانيين المسلمين»، وهو الأمر الذي انعكس على نتائج الانتخابات البرلمانية الأوروبية الأخيرة، التي حصل فيها حزب الاستقلال اليميني المتشدد، على نسبة زلزالية، وهو الحزب الذي يطالب بالحد من هجرة الأجانب، لتمثل صفعة لحكومة كاميرون، وبيّنت له أن عليه الاستماع لصوت المواطن البريطاني، والحد من خطر المتطرفين المسلمين في مجتمعه.
وبالتالي كان من الطبيعي قيام بريطانيا بتسليم «الداعية»، أو بالأحرى الإرهابي «أبوقتادة» ليحاكَم في الأردن، إضافة لموافقتها على تسليم الإرهابي الآخر «أبوحمزة المصري» للسلطات الأميركية ليحاكَم هناك. كما أنها لم تتردد قبل أيام في القبض على مشبوه آخر، وهو الباكستاني ألطاف حسين، زعيم «حركة المهاجرين القومية» الباكستانية المتشددة، الذي يعيش في بريطانيا عيشة الأثرياء، والذي يعتقد أن له يدا في أعمال الإرهاب التي تقع يوميا في بلاده، وبالذات في منطقة كراتشي التي يسيطر عليها أعوانه.
ونتمنى أن تصل إجراءات الحكومة الجديدة الى من يمثلون الوجه الخليجي لبثّ الكراهية، والدعوة الى الإرهاب، وهم بعض دعاة القنوات الفضائية، الذين طالما غضت الحكومة النظر عنهم، وهم الذين تخصصوا، ليس فقط في نشر الكراهية المذهبية، بل والدعوة إلى نشر الجهل والتخلف بين «أتباعهم ومستمعيهم».
إن زلزال بن لادن لا يزال مستمرا في تداعياته، وكما حذّرنا فإن الوضع سينقلب على كل إرهابي ومتطرف، وربما ستطرد الحكومات الأوروبية غالبية المسلمين من بلدانها، وسيعودون لدولهم «الإسلامية الحقيقية»، ليواجهوا الواقع، ولكن المؤسف أن الثمن الأكبر سيدفعه المسالمون منهم.
أحمد الصراف