كالعادة تتعالى المطالبات دون آلية واضحة أو هوية مفهومة للتطبيق، تلك هي السمة البارزة للتحركات في السنوات الأخيرة فمنذ "ارحل نستحق الأفضل" دون تحديد مفهوم للأفضل، مروراً بـ"نهج جديد" دون تحديد نوعية النهج حينها، وانتهاءً بـ"جهة دولية محايدة" لفحص مستندات التحويلات التي أشار إليها مسلم البراك وعرضها حساب "كرامة وطن" في "تويتر". ولنفحص هذه المطالبة الأخيرة "جهة دولية محايدة" لتتضح الصورة أكثر، فالمتقبلون لنوعية الوثائق المطروحة في حساب "كرامة وطن" يطالبون بجهة دولية محايدة لفحص تلك الأوراق، علماً أن المستندات المعروضة لا تتضمن اسم البنك، مع تلميح بسيط لاسمه من خلال سياق وثائقهم المعروضة، وهو ما يعني أن أي جهة سواء كانت دولية أو محلية لن تتعاطى أصلاً مع الأوراق دون تحديد اسم البنك في المقام الأول. وفي المقام الثاني من الذي سيلجأ أو يختار الجهة الدولية المحايدة أصلاً؟ هل هي الحكومة أم مسلم البراك أم حساب كرامة وطن؟ فإن كانت الحكومة هي من سيلجأ إلى تلك الجهة فهذا يعني أنها ستتحمل التكاليف المادية والمراسلات، وهو ما يعني أن تتسلم الحكومة من مسلم البراك أو "تويتر" الوثائق كاملة دون تغطية أسماء وتحديداً اسم البنك، وإن كان المطالبون أصلاً لا يثقون بالحكومة وجاءت النتائج عكس ما يشتهون، فمن السهل تبرير أن الجهة الدولية لم تتعاطَ مع الوثائق بشكل حيادي. أما إن كان من سيلجأ إلى تلك الجهة هو مسلم البراك أو حساب "كرامة وطن" فلا حاجة أصلاً لمباركة الحكومة للخطوة، وعليهم اللجوء فوراً إلى الجهة الدولية المحايدة، علماً أن رئيس الهيئة العامة لمكافحة الفساد صرح لـ"الجريدة" يوم أمس بالتالي "سنقوم بالتحقيق في تلك الوقائع، وسنتعامل مع مكاتب أجنبية خارجية، وكذلك مع السلطات البريطانية لبحث وبيان واسترداد الأموال التي تعتريها شبهة الفساد، إن وجدت"، مستنداً بذلك إلى المادة 24 من قانون الهيئة. شخصياً أعتقد أن أفضل حل لمن يساوره الشك في صحة الوثائق من عدمها، ويعتقد أنها ترقى للفحص هو الحل المقدم من مجلس الأمة؛ بتكليف ديوان المحاسبة بتلقي أي مستندات من المواطنين حول هذه القضية، على أن يقوم الديوان أو من تقدم بالبلاغ من المواطنين بالاستعانة بأي جهة دولية للتحقق من المستندات، وتنشر التقارير اللاحقة في الصحف اليومية. بهذه الطريقة سيتمكن كل مواطن يمتلك وثائق ومستندات حول هذه القضية من اللجوء إلى جهات دولية معتمدة، يحددها هو شخصياً للتحقق وتنتهي المسألة برمتها، فإن كانت النتيجة إدانة فسيكشف الأمر للرأي العام قبل المجلس والحكومة، وإن كانت نفياً فسيكشف الأمر كذلك، وهذه الخطوة لا تحتاج إلا أن يتقدم من يملك الأوراق كاملة دون إخفاء اسم البنك للتقدم إلى الديوان خلال مدة شهر من تاريخ صدور التكليف. تلك هي الطريقة لمن يبحث فعلاً عن الحقيقة. خارج نطاق التغطية: المفيد في القضية إياها دون نشر تفاصيلها هو أننا في حالة ما يسمى بـ"win-win situation" وهو ما يعني في حالة ثبوت صحة أو خطأ ما ورد في (…) فإنه يعني استبعاد طرف من طرفي القضية، والشعب كسبان.
اليوم: 18 يونيو، 2014
لا حل سياسياً أو أمنياً للعراق!
استضافتنا قناة العربية ضمن برنامج «بانوراما» للحديث حول إمكانية وجود حل سلمي للإشكال العراقي الدامي، وقد رأينا أنه لا حل سياسيا يلوح في الأفق لأسباب عدة منها أن ذلك الحل لو كان ممكنا لتم العمل به خلال الـ 11 عاما الماضية، ولتم بالتبعية الحفاظ على مئات آلاف الأرواح وتوفير مليارات الدولارات ومنع الملايين من النزوح من بيوتهم ومناطقهم.
* * *
كما لا يوجد بالمقابل حل أمني أو عسكري للمسألة العراقية، وهو أمر يثبته التاريخ، فلم تنفع قط حملات بكر صدقي في الثلاثينيات على قبائل الفرات الأوسط، كما لم تنفع الحملات العسكرية اللاحقة المتتالية على الأكراد وعلى رأسها حملات الأنفال الشهيرة التي استخدم فيها صدام الأسلحة الكيماوية، ثم حملة حسين كامل لقمع ثورة الجنوب عام 1991 وأخيرا الفشل الذريع لحملة الأشهر الأخيرة على مناطق الغرب والشمال.
* * *
لقد وصلت المسألة العراقية إلى أسوأ ما يمكن أن تصل له قضية شعب ما، فقد بات ما يعتبر انتصارا لجزء من العراق يعتبر هزيمة لجزئه الآخر، وما يضحك الغرب العراقي يبكي جنوبه بدلا أن يضم الجميع شعور واحد، وابتلى الله أرض الرافدين العزيزة بطبقة سياسية فاسدة تبحث عن مصالحها لا مصالح وطنها، فضمائرها مرهونة بأوامر الغير وقد تسببت في جعل العراق ساحة أخرى من ساحات حروب الوكالة التي تعددت ملاعبها في منطقتنا، فهناك سورية ولبنان وفلسطين واليمن وليبيا وغيرها.
* * *
إن العراق ليس ذاهبا لحرب أهلية أو طائفية كما ذكر بعض ضيوف اللقاء من العراقيين، بل انه كما رأينا عاش تلك الحرب القذرة طوال الـ 11 عاما الماضية، والجديد ان الحروب لم تعد طائفية وعرقية كما هو الحال في السابق، بل أصبحت حروب تحديد الحدود والاستيلاء على الثروات الطبيعية تمهيدا لقيام ثلاث دول أو أكثر مستقلة على أرض العراق، واللهم لا نسألك رد القضاء ولكن اللطف فيه.
* * *
آخر محطة: (1) إن كان العراق ذاهبا في النهاية للتقسيم وهو أمر لا نوده ولا نتمناه كعرب وكخليجيين، فالأفضل أن يتم هذا الأمر بأقل كم من الدماء والدمار، فهناك فارق كبير بين انقسام سلمي مماثل لما تم في تشيكوسلوفاكيا وبين ما تم في يوغوسلافيا من دماء ودمار وعداء دائم بين المكونات.
(2) ترفع الشعوب الحية شعار «يموت فرد ولا تفنى أمة» وترفع بعض شعوبنا البائسة شعار «تفنى أمة ليحيا فرد»، فلا مانع لدى بعض ساستها ومفكريها من فناء الأمم وتقسيم الأوطان في سبيل بقاء زعامة حزبية في موقعها رغم ثبات فشل طروحاتها مرارا وتكرارا في الماضي، وهذا أحد إشكالات العراق الرئيسية القائمة.
@salnesf
العقل والمنطق الداعش
تحلم جهات عدة منذ عقود في أن ترى دولة إسلامية واحدة تجمع كل المسلمين تحت «راية» الدين. واصبح حلم البعض أكبر، وخاصة من الحركات الدينية الأكثر راديكالية وتسليحا، في أن ترى هذه الدولة تشمل العالم اجمع بملياراته السبعة وبعشرات آلاف لغاته ودياناته واختلافاته! وتستمد هذه الحركات الراديكالية غالبية أفكارها الساذجة في السياسة والحكم من أوهام قال بها مجموعة من رجال الدين على مر العقود القليلة الماضية، حاولوا فيها خلق وهم سياسي «متكامل» صالح للتطبيق على البشر أجمعين، وهذا لا شك سراب لا يخلو من الشطط، ويستحيل تطبيقه لا اليوم ولا بعد مليون يوم، وبالتالي ما سينتج عن كل هذه المحاولات البائسة في فرض منهج ديني محدد على الجميع، بالقوة غالبا، هو إراقة المزيد من الدماء والمزيد من الخسائر والمزيد من التخلف، وحركتا داعش والنصرة وتنظيمات الإخوان والقاعدة وذيولها ما هي إلا عناوين لمجموعات متخلفة تنطلق من أوهام العظمة والأفضلية على الغير، وشعور طاغ بأنهم على حق وغيرهم، كائنا من كانوا، على باطل، ويجب «سوقهم» للرشاد، فإن امتنعوا فالقول الفصل للسيف، غير مدركين انه، عبر التاريخ، لم تتمكن أي قوة عظمى من فرض رؤاها وأفكارها على الغير، إلا في أضيق الحدود.
فقد فشلت الإمبراطوريات الفارسية واليونانية والرومانية والعثمانية، والدول الاستعمارية الحديثة كفرنسا وبريطانيا، وتاليا الإمبرياليتان السوفيتية والأميركية، فشلت جميعها، بكل ما توافر لها، ولا يزال يتوافر للبعض منها، من أساليب القوة والبطش من فرض رؤاها ومعتقداتها، أو حتى لغاتها إلا على مساحات وأقليات محدودة، مقارنة بحجم الأرض وسكانها، وكل ما حققته لم يساو يوما ما بذل في سبيله من أرواح وأموال!
فإذا كان هذا كل ما استطاعت مختلف الامبراطوريات العظيمة أن تحققه، فما الذي بإمكان مجموعات مسلحة شديدة التخلف والسذاجة، لا يزيد عدد أي فصيل فيها على بضعة آلاف، أن تفعله أمام كل هذا التقدم التكنولوجي والتعقيد العسكري الذي بحوزة أعدائها، الذين بإمكانهم إفناء أمم، من خلال الضغط على بضعة أزرار في جهاز تحكم عن بعد من غرفة تقع في سرداب مجهول من قاعدة عسكرية صحراوية لا يعلم أحد خارجها أين تقع.
إن القوة والعزة ليستا في فرض مفاهيمنا الدينية على الغير، عنوة أو بغير ذلك، بل بما يمكننا تحقيقه من تقدم اقتصادي وصحي واجتماعي واخلاقي لأنفسنا ولمئات الملايين من الشعوب الإسلامية، التي تشكو من كل مرض وكل ما يجلبه الفقر والتخلف من تبعات. فأميركا لم تحتل يوما أي دولة، وتبقى فيها كقوة مستعمرة لعقود وعقود، كما فعلت فرنسا وبريطانيا مثلا، ولكنها استطاعت بازدهارها الاقتصادي وتقدمها العلمي وحرياتها السياسية ومثلها العليا أن تنجح في ما فشلت في تحقيقه جيوش أقوى الدول المستعمرة، وفرضت ثقافتها وأسلوب حياتها على العالم من دون أن ترسل جنديا واحدا، أو تطلق رصاصة. فحكم العالم اليوم لا يتم عنوة، بل بالعلم والتقدم، فهل تعرف هذه الحركات شيئا عن العلم؟
أحمد الصراف