يبدو أنني لن أكف عن التعرض للشعر وأربابه وأنواعه، حتى لو أوقعني ذلك في «شر كتاباتي»! منذ صغري وانا مغرم بأغاني عبدالوهاب، ولا أذكر عدد المرات التي استمعت واستمتعت فيها بأغنية «مضناك جفاه»، ومع هذا لم افهم يوما كامل معناها، أو أنها من نظم أحمد شوقي. وعرفت اليوم السبب والمعنى، فهي قصيدة جميلة، وأن شوقي استلهمها من قصيدة للشاعر الأندلسي الحصري القيرواني (1059-1029م) التي يقول فيها:
يا ليل الصب متى غده **** اقيام الساعة موعده
رقد السمار فارقه **** أسف للبين يردده
ويقول شوقي في قصيدته التي يخاطب فيها محب حبيبته ان النوم قد جافاه، وأصبح سقيما، ويئس زواره من شفائه، وترحموا عليه، وهو مشرف على الهلاك إلا أنه لا يريد الحياة من دونها:
مُضْنــــاك جفـــاهُ مَرْقَـــدُه **** وبَكــــاه ورَحَّــــمَ عُـــوَّدُهُ
حــــيرانُ القلــــب. مُعَذَّبُـــهُ **** مَقْــــروحُ الجَـــفْن. مُســـهَّدُهُ
أَودَى حَرَقًـــــا إ.لا رَمَقًـــــا **** يُبقيــــه عليــــك وتُنْف.ــــدُهُ
يســــتهوي الـــوُرْقَ تأَوُّهـــه **** ويُــــذيب الصَّخْـــرَ تَنهُّـــدُهُ
ويُنــــاجي النجـــمَ ويُتعبُـــه **** ويُقيــــم الليــــلَ ويُقْع.ـــدهُ
ويُعلّــــم كــــلَّ مُطَوَّقَــــةٍ **** شَـــجَنًا فــي الــدَّوح. تُــرَدّ.دهُ
كــم مــدّ ل.طَيْف.ــكَ مــن شَـرَكٍ **** وتــــــأَدَّب لا يتصيَّــــــدهُ
فعســـاك بغُمْـــضٍ مُســـع.فهُ **** ولعــــلّ خيــــالَك مُســـع.دهُ
الحســـنُ، حَـــلَفْتُ بيُوسُـــف.ه. **** (والسُّورَة.) إ.نـــــك مُفـــــرَدهُ
قــــد وَدَّ جمـــالَك أَو قَبَسًـــا **** حــــوراءُ الخُـــلْد. وأَمْـــرَدُهُ
جَحَــدَتْ عَيْنَــاك زَك.ــيَّ دَم.ــي **** أَكــــذلك خـــدُّك يَجْحَـــدُهُ؟
بينــي فــي الحــبّ. وبينـكَ مـا **** لا يقــــــدرُ واشٍ يُفس.ـــــدُه
إلى آخر القصيدة الرائعة المعنى والصياغة. ويذكر أن شوقي، الذي ولد في أكتوبر 1868 لأب کردي وأم من أصول تركية، كانت جدته لأمه الغنية تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، فتكفلت بتربيته، فأظهر منذ صغره نبوغا أدبيا، وانكب على دواوين كبار الشعراء فمدح الخديوي، ولكن الإنكليز لم يكونوا راضين عنه، فنفوه الى أسبانيا، وعاش هناك تاريخها وتأثر به، فوق تأثره بالأدب الفرنسي، وزادته الغربة تعلقا بوطنه، فاهتم بقضاياه، وعندما عاد الى مصر أخيرا بويع أميراً للشعر، ولا يزال عرش إمارته، بعد 82 عاما، خاليا حتى اليوم!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com