يعتبر العالم الإنكليزي شارلز دارون، أحد أهم الشخصيات في التاريخ البشري. وأحدث كتابه في «اصل الأنواع» ثورة في عالم الأحياء، وهزة عقائدية عميقة في الكنيسة. وكانت أكبر التحديات التي واجهت نظريته بعدها بسنوات طويلة ما توصل اليه العلم في اواخر القرن الماضي عن دور الحمض النووي في الوراثة genetics حيث أصبح بالإمكان إخضاع النظرية المثيرة للجدل لاختبار حاسم يثبت صحتها أو فسادها.
فمن المعروف أن كل خلايا الكائنات الحية تحتوي على كروموسومات، وهذه عبارة عن قطع كثيفة من الحمض النووي DNA، وهي الوعاء الذي يحتوي على صفات الكائن الحي. فخلال عملية التكاثر البشري وغير البشري، تتضاعف كروموسومات كل واحد من الوالدين، لدى الجنين، وتختلط أجزاؤها وتتكون كروموسومات جديدة لديه. ومن أكثر المواضيع حساسية في نظرية أصل الأنواع ذلك الشق المتعلق بموضوع السلف المشترك بين القرد والإنسان، خاصة بعد أن أثبت العلم اختلافا بين عدد كروموسومات القرود العليا، كالشمبانزي والغوريلا، التي لديها 24 زوجا والإنسان الذي لديه 23 زوجا فقط. ولو كان الإنسان والقرد من أصل مشترك، كما يقول معارضو نظريات دارون، لكان من المفترض ان تتساوى أعداد كروموسومات الطرفين.
وفي شهادة شهيرة أدلى بها العالم مولر Muller أمام إحدى المحاكم التي شكلت للبت في هذا الموضوع الجدلي، وإيجاد تفسير علمي للتناقض في عدد الكروموسومات لدى الإنسان والقرد، قال ان العلماء اكتشفوا من واقع ماضي الإنسان التطوري المدفون في الكروموسومات التي يحملها كل البشر بأن في طرفي كل كروموسوم علامات وراثية خاصة، أو قطعا من الحمض النووي تسمى تيلوميرز Telomeres، وفي الوسط نجد علامات وراثية أخرى تسمى قسيما مركزيا Centromeres، ولو أن طفرات حدثت أثناء التطور البشري وتسببت في انصهار كرموسومين مع بعضهما فإننا يجب أن نجد أدلة في تلك العلامات الوراثية بحيث أن التيلومرز لا توجد فقط في أطراف الكروموسوم بل وفي الوسط ايضا، وأن نجد في الوسط أيضا قسيمين مركزيين بدلا من واحد. وبعد التجربة العلمية، التي حبس مؤيدو نظرية دارون أنفاسهم خلالها، تبين أن الكروموسوم رقم 2 يحمل جميع علامات انصهار الكروموسومين، التي تنبأ بها العلماء، بفضل فكرة السلف المشترك، وكلها موجودة في الكروموسوم 2. وهكذا قام علم الوراثة الحديث، وعلوم البيولوجيا الدقيقة، بتأييد نظرية دارون في التطور، وفي أعظم وأدق التفاصيل. كما تبين أنه كلما اقتربت الملاحظة من تفاصيل الجينوم البشري أكثر كانت الأدلة أقوى.
* * *
• ملاحظة:
عندما كتبت مطالباً من لاكت الألسن في سمعتهم المالية، ومصادر ثرواتهم، حذرني البعض من أن محاولتي مع هؤلاء الذين نجحوا في تحقيق كل ما حققوه بسبب وقوف أحزاب ومنظمات دولية معهم، سيستعينون بها وبالوسائل المشبوهة نفسها للرد عليّ، ولكني سأسير في الطريق وحيداً، عند عودتي من الخارج.
أحمد الصراف