أساساً هو خطأ النائب رياض العدساني حين قدم استجوابه لرئيس الوزراء، فكان أولى على رياض أن يعلم أنه لم يكن بصدد مساءلة رئيس الحكومة فقط، وإنما مساءلة سلطة حاكمة بكاملها، بكل صراعاتها الداخلية وتجاوزاتها وأخطائها وعجزها الأكيد عن إصلاح نفسها، وبالتالي هي أعجز عن حل مشاكل المواطن المزمنة من إسكان وصحة وتعليم وبطالة قادمة وفساد مستحكم ومصادرة حرية التعبير وغياب الشفافية. كان من المفترض أن يعرف رياض مسبقاً، وتحديداً بعد تجربة استجوابه الأول الذي شطب في سابقة شاذة، مصير استجوابه الأخير، ولو كان رياض مقتنعاً بالمثل الشعبي القائل "هذا سيفوه وهذي خلاجينه"، وأن نماذج "سيفوه" تحيط به في هذا المجلس المفصل على المقاس الحكومي، لما قدم مثل الاستجواب المعروف مصيره بداية.
ماذا كان يتوقع رياض من طرح استجوابه؟ هل كان يتخيل أن أغلبية نواب "سيفوه" سيقفون معه، وستكون فرصة ليس لمناقشة مجرد نقاط الاستجواب وإنما لتحريك المياه الراكدة في سياسة إدارة البلد؟ طبعاً الإجابة بالنفي، وفتوة "اشرب من دمك" يا رياض الاستعراضية هي الرد المتوقع لاستجوابه، وليس الممارسة الرقابية المفروضة على أعمال الحكومة، وماذا كان يأمل رياض وغير رياض من مواقف مجمل الصحافة الكويتية دون تحديد، ونحن في مثل واقع الدولة التسلطية وتراجع موجات الربيع العربي من حولنا، وهيمنة دوائر النفوذ حول مصادر القرار وتبادل المصالح بينها أحياناً وصراعات أصحاب المصالح في أحايين أخرى؟
ماذا كان رياض يتوقع بداية منذ لحظة اتخاذ قراره بالترشح لتلك النوعية من المجالس التابعة؟ وهل يتعين عليه أن يترك مكانه اليوم ليحل غيره؟ قد يكون الغير مثل رياض، وقد يكون "سيفوه" آخر… أين تكمن الإجابة في هذه الخبيصة الكويتية…؟ لا أعلم!
***
بعد كتابة المقال نشر خبر عن تقديم النائبين العدساني والكندري استقالتهما، هي خطوة مستحقة من زمان.
الشهر: مايو 2014
الشق العميق في الوادي السحيق
“>لدينا، مقارنة بعدد السكان، أكبر نسبة من رجال الدين في العالم، ينتمون لكل عقيدة ومذهب. ولا ينافسهم في العدد غير كثرة دور العبادة، التي تنتشر في كل مكان، بحيث أصبح بعضها يزيد على حاجة أي منطقة سكنية أو تجارية.
كما لا تشكو المناهج المدرسية في التعليم العام أو الخاص من كثرة المواد الدينية، التي أصبح وقت التلميذ والطالب الدراسي متخما بها.
كما لا يمكن أن نخفي ارتفاع دخل الفرد في الكويت، والذي قد يكون الدخل الثالث او الرابع الأعلى في العالم. كما لا توجد في الكويت بطالة، لمن يود حقا العمل. كما توفر الحكومة خدمات عدة للمواطن، مع كل مآخذنا عليها، وتقوم فوق ذلك بدعم مواد كثيرة، حتى أعلاف الماشية.
ولكن، بالرغم من كل هذه المظاهر الدينية، والثراء النقدي والدخل الفردي المرتفع وتوافر الوظائف وفرص التجارة والعمل الحر للجميع تقريبا، مع غياب تام لأي نظام ضرائبي معيق، إلا أننا لا نجد للكويت مكانا، ولو قريبا من الخمسين دولة الأكثر أمانا في العالم! ففي مؤشر السلام والأمان العالمي، تأتي دول كالدانمرك ونيوزيلندا وفنلندا في المقدمة، «دافشة» الكويت لمستويات أدنى بكثير! فما السبب في ذلك ما دمنا نمتلك، حسب فهمنا، كل مقومات الأمن والأمان، خاصة أن الكويت كانت، قبل أن تغزوها المظاهر الدينية المخادعة، وحتى ستينات القرن الماضي، واحة أمان، عندما كان أصحاب محال الخضار أو المكسرات وغيرهم يكتفون بتغطية بضائعهم المعروضة بقطع قماش بسيطة، ويغيبون عنها لساعات، لتناول الغداء أو لأخذ قيلولة، من دون الخوف عليها من السرقة؟
الجواب هو أن كثرة دور العبادة أو الزيادة في عدد رجال الدين، أو ارتفاع دخل الفرد وتوافر الوظائف لا تكفي جميعها لخلق بيئة أمينة وآمنة، وأن المسألة تتعلق بالأخلاق، وهذه لا يمكن اكتسابها إلا من البيت، بوجود قدوة صالحة في الأبوين، ولو بحدودها الدنيا، ومن ثم تكريس تلك القدوة أو الأمانة من خلال مناهج دراسية تتعلق بالأخلاق! ولكن ما نلاحظه اليوم هو غياب القدوة في غالبية الأسر أو «العائلات» الكويتية، وغياب تام للمادة الأخلاقية من مناهج المدارس، والحكومية منها بالذات، وهذا ما أوصلنا لهذا الدرك الخلقي المتواضع الذي نحن فيه!
وفي السياق نفسه، نجد أن الدول الإسلامية هي غالبا الوحيدة في العالم التي لديها هوس عقد مؤتمرات قمة دينية بين الفترة والأخرى. وبالرغم من تعدد تلك المؤتمرات، فإن أيا منها لم يتمخض يوماً عن شيء حيوي، ولا أعتقد أن القائمين عليها سيفكرون يوماً بسؤال أنفسهم عن سبب تدهور الأخلاق في المجتمعات العربية والإسلامية، مع كل ما لدينا من «مظاهر دينية»، وربما الدعوة للعكس تكون أقرب للصحة.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com