ليس للحكومة أن تتوقع غير اللامبالاة واللااكتراث من الجمهور عندما تتحدث عن العجز القادم الحتمي حين تتجاوز النفقات على الإيرادات، وحين تختزل قضية الفشل في إدارة الدولة اقتصادياً وسياسياً بتضخم الباب الأول (بند الرواتب والأجور) على حساب بقية أبواب الميزانية، ويتم تعليق الجرس على رقبة المواطن والاستهلاك الريعي، الذي يمارسه مع غياب قيم العمل عنده، وتصبح قضية فشل إدارة الدولة هي قضية الإنسان المحكوم بهذه الإدارة السياسية، مثلما يذهب زميلنا عبداللطيف الدعيج في كتاباته العديدة بإدانة المجتمع والبشر، أي الناس الذين لا حول لهم ولا قوة في إدارة الدولة، وفي الوقت ذاته يعلق صكوك البراءة على صدر السلطة الحاكمة، وكأن هذا قدرها وحظها إذ ابتليت بهذا الشعب وهذا السلوك الاستهلاكي وعجزه القدري عن الإنتاج…!
بهذا تصير المعادلة سهلة عند الزميل، أصلح أمرك يا شعب تصلح أمور البلد… أما "مساكين" السلطة ومن بيدهم أمور الحل والعقد فلا مسؤولية على عواتقهم ولا جناح عليهم، فهو فشل إداري وفشل بشر لا يعملون، أما القيادات السياسية التي نصبت تلك القيادات الإدارية الرديئة في موقع المسؤولية، وفتحت لها أبواب الفساد على مصاريعها، وتركت "القرعة ترعى" لعقود طويلة، فهذه لا مسؤولية عليها ولا يحزنون، في فقه الزميل.
بطبيعة الحال، لا أحد ينكر عدداً من أمراضنا الاجتماعية في مفهوم العمل والإنتاج، ولا أحد يجحد حالة التسيب لدى الكثيرين منا، وكلها أمراض متأصلة في الوطن بسبب الحال "الريعي"، ولن يكون الحل والعلاج لتلك الأمراض بالوصفات السريعة التي يكتبها القطاع الخاص، فهذا القطاع في النهاية يدور في فلك السلطة والحالة "الريعية" التي كرستها، وهو بمجمله قطاع استهلاكي غير منتج، ولا يرتجى منه أن يكون عوناً لحل مشكلة الباب الأول، طالما ظل هذا القطاع على حاله. الحلول لأزمتنا القادمة ستكون قاسية، وستتطلب تضحيات من الجميع، لكن من أين يبدأ تعديل هذا الوضع المائل؟ هل يبدأ من الناس فقط؟ أم يفترض أن يبدأ الإصلاح السياسي والاقتصادي من فوق ومن الأعلى؟ أين هي الإجابة عند منظري لوم وتعنيف الناس المحكومين وتبجيل الكبار الحاكمين الأبرياء…؟!