من ركام ظلام بؤس الحياة المتغطرسة، والنظرة المتعالية عند كثير من مرضى الثراء النفطي والتخلف الإنساني نحو غير الكويتي أو غير المسلم أو غير المنتمي إلى ملتنا أو قبيلتنا. وقائمة التفريعات وتصنيف البشر ونبذ المختلف عندنا لا تقف عند تلك الحدود. أشعل لنا الزميل عبدالهادي الجميل شمعة تسقط بقعة الضوء المنيرة على تلك العتمة، فقد قام بالاتصال بشركة الحراسة التي كان يعمل فيها الضحيتان الآسيويان اللذان قتلا في حادث السطو المسلح، وتلك جريمة تمثل نقلة نوعية في عنفها وبشاعتها في الكويت، وتم فتح حساب بنكي لجمع التبرعات الشعبية لأسر الضحيتين.
قد يتصور البعض أن أهل الضحيتين يستحقون من غير خلاف تعويضات مالية، ودية شرعية حسب القوانين، فلماذا تلك التبرعات التي يقودها عبدالهادي ومن وقف معه من نجوم الإنسانية عبر شبكة "تويتر"!
التبرع هنا ليس لأجل عمال حراسة أزهقت حياتهم وهم يؤدون واجبهم فحسب، بل هو من أجلنا نحن، ومن أجل الكويت وإظهار الوجه الإنساني لأهل الديرة. يمكن اعتبار التبرع هنا على أنه ممارسة لتطهير روحي متسام للكثيرين، والأموال التي تدفع ليست من أبواب الصدقات الدينية أو أداء واجب وطني، وإنما تدخل من أوسع أبواب الوفاء الإنساني الكبير، التي ترتفع وتسمو فوق أي اعتبار أو نظرة منغلقة ضيقة تصنف البشر حسب هوياتهم الدينية أو الطائفية أو العرقية. نحن من يحتاج إلى معنى ومغزى مثل ذلك التبرع الفريد في نوعيته، فليست الدولة من يقوم به، وليس هنا، هو مثلاً من باب واجب تقديم المساعدات وعمل الخير لضحايا الحرب في سورية، وإنما هي تبرعات مدفوعة بحس إنساني مرهف وعميق، تخبرنا أن من يعمل على هذه الأرض مغترباً وبعيداً عن وطنه وأهله ليس من جنس آخر، وليس ليأخد "المعلوم" ثم يرحل في ما بعد، وإنما هو إنسان يخدم هذا الوطن وأهله، فلنرد له بعض الجميل، ولو بعمل خيري رمزي صغير باسمه كبير بمعانيه.