تعتبر جواخير، أو زرائب كبد، من الأمثلة الواضحة على كيفية تطور الفساد الاجتماعي والسياسي وانتشاره، وهذا ربما يرتبط بالهدف والطريقة التي تم بها توزيع هذه الزرائب، من خلال شراء ولاء أغلب المستفيدين منها، وهم غالبا شخصيات قبلية وطائفية وسياسية، ومن بعدها غض الحكومات الرشيدة نظرها عن كل مخالفات المنطقة على مدى 40 عاما، والتي لو عولجت في لحظتها لما وصل الوضع الفاسد الى هذا الدرك، ففضائح الإيداعات والمدفوعات ما هي إلا نتيجة للسكوت عن مخالفات الجواخير، التي اصبح ما اقيم عليها، مع مرور الوقت، من استراحات فخمة وفلل سكنية ومخازن تأجير وحتى مساكن عمال، أمرا واقعا ومشروعا! وما تعرفه الحكومة وكل أجهزتها الأمنية أو المعنية بالزراعة، أن ليس هناك من هو معني بتوفير الأمن الغذائي، وهي ذريعة وراءها من حصل على الجواخير ومن وزعها. فاقتناء بضعة آلاف من رؤوس الماعز أو الإبل لا تعني شيئا لدولة نهمة، يكاد يقارب عدد سكانها أربعة ملايين. كما تعلم الحكومة جديا أن ليس في الأمر تربية ماشية أو ممارسة لهواية «الأجداد» في اقتناء «الحلال»، بل قد يكون التنفيع والتنفيع المستمر، فما يصرف من علف مدعوم لماشية، ربما غير موجودة، والذي يباع في السوق السوداء، يدر دخلا إضافيا على بعض مقتني تلك الحيازات. كما تعلم الحكومة أن هذه المنطقة، بسبب سوء خدماتها، وزيادة ما فيها من عمالة سائبة تمثل مصدر قلق أمني لأجهزة الداخلية التي لم تتوقف، بين فترة وأخرى، عن الإعلان عن شن حملات امنية فيها، وإلقاء القبض على محكومين بالسجن وفارين من وجه العدالة وغيرهم من المطلوبين، وكان آخر تلك الحملات في 28 مارس الماضي، وبحضور كبار مسؤولي الداخلية، وفريق إعلامي أمني. ولم تقم الداخلية يوما بالتحذير مما يشكله وجود منطقة جاذبة للجريمة ومشجعة عليها، ككبد وغيرها، والتي لو كانت حقا تستخدم كزرائب لكانت الأكثر أمانا في الدولة، فالحيوانات لا تخالف قوانين الإقامة ولا تصدر أحكام قضائية عليها!
إن اللوم لا يوجه فقط الى الجهات الأمنية وهيئة الزراعة، لفشلها في مراقبة حسن استخدام القسائم الرعوية أو الزراعية في الأغراض المخصصة لها فحسب، بل يوجه وبقدر أكبر الى «الجهات المعنية»، التي كلما رفع لها تقرير عن وضع تلك المناطق طالبت بتأجيل اتخاذ القرار أو تطبيقه على «ناس وناس»، أو نقل تبعية هيئة زراعية الى وزارة النفط!
ليس سرا أن العديدين حصلوا على قطع بملايين الأمتار في تلك المنطقة لقاء لا شيء، وبالتالي فإن ما ذكره النائب نبيل الفضل من أن منطقة كبد، بتخصيصها الحالي، هي منطقة ضائعة ولا فائدة منها، صحيح، ونؤيد اقتراحه بتفعيل حق الدولة في استعادتها، مقابل تعويضات لشاغليها غير المخالفين، وتحويلها الى منطقة سكنية، خاصة بعد أن تبين أن %70 من الإصابات بمرض «كورونا» مصدرها الإبل.
أحمد الصراف