يقول سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون بالأزهر، إن كل من يزعم أن حزبه قائم على أساس ديني، فهو كاذب مخادع لنفسه ولغيره! وقلنا إنه لم تصل دولة متقدمة لما وصلت إليه بغير اتباعها العلمانية طريقا، أي فصل الدين عن الدولة، والأمثلة أكثر من أن تحصى. وأكثر الدول تقدما وشفافية في الحكم والمؤسسات هي الدول الاسكندنافية، وهي الأقل تدينا في العالم المسيحي. كما أن أكثر المجتمعات تدينا وارتيادا للمعابد هي الأكثر تخلفا وبؤسا، وليس للدين علاقة هنا بالأمر بقدر ما هو الإصرار على ربط الدنيا وطريقة الحكم وشؤون الناس اليومية بالدين. وبالتالي ليس غريبا الاعتقاد بأن الاستبداد الديني الذي يشمل غالبية الدول المتخلفة في العالم، ومنها أغلب دول العالم العربي والإسلامي، لا يمكن أن ينتج عنه غير أنظمة دكتاتورية متسلطة تسمح لها نصوص دينية معينة بالبقاء في الحكم عنوة وجبرا من دون سند غير النص.
وفي هذا السياق، يقول المفكر المصري سيد القمني: لم تقم دولة إسلامية واحدة يوما برعاية قيم الحرية والعدالة والمساواة، بسبب خضوع الناس للاستبداد الديني وغياب الديموقراطية. فهذه لم تكن يوما لفظاً معلوماً في مخزوننا الثقافي، فكيف نسعى لاسترداد ما لم نكن نعرف أصلاً؟ فتاريخنا منذ فجر الخلافة وحتى سقوطها، واستمرار الخلافة مستبطناً داخل أغلب الحكومات الإسلامية الحالية، هذا التاريخ لا يعرف معنى للمساواة، فالناس منازل ومراتب، وليس في معجمه شيء اسمه ديموقراطية. موضوعاتنا نعرفها جميعاً، فهي شعر الفخر بالقبيلة ولو كانت من أضغاث الناس، وشعر الهجاء ولو لكسرى أو لقيصر، شعر يتحدى شعراً فقط. لدينا الجن والملائكة والفقه، لدينا كل كلام ممكن أن يقال، وربما كان يصلح لزمنه، أما اليوم فإنه يظل مجرد كلام غير عملي، لأن المجتمع الذي كان يطبقه قد زال من التاريخ منذ أكثر من عشرة قرون. ويقول الكاتب العراقي عبد عطشان هاشم إن الدولة المدنية هي الدولة التي تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية والدينية والفكرية. وهناك عدة مبادئ ينبغي توافرها في الدولة المدنية، التي إن نقصت فلا تتحقق شروط الدولة، وأهمها أن تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، بحيث تضمن حقوق الجميع. ومن أهم مبادئ الدولة المدنية ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد أو طرف آخر. وتخضع الدولة المدنية للدستور باعتباره عقدا اجتماعيا ينظم العلاقة بين الشعب والسلطة المنتخبة، حيث يتم تطبيق شروط هذا العقد وحمايته من الانتهاك والخرق من قبل الافراد والجماعات من خلال سلطات التشريع والتنفيذ والقضاء، المستقلة عن بعضها البعض. فهناك دوما سلطة عليا هي سلطة الدولة التي يلجأ إليها الأفراد، عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك. فالدولة هي التي تطبق القانون، وتمنع الأطراف المشار اليها من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم ضد الآخرين.
أحمد الصراف