لم يخرج الدكتور يحيى الجمل نظام الصوت الواحد في الكويت من جيبه في لقاء جريدة الجريدة، ممكن أن نتصور، في الأغلب والأرجح، أن الكبار في السلطة طلبوا منه، وربما من غيره من أساتذة القانون الدستوري، أن يجدوا لهم مخرجاً من صداع المعارضة، ففصل لهم أستاذنا نظام الصوت الواحد. الدكتور يحيى الجمل قام بدور مثقف ومنظر السلطة، فالسلطة، عادة، بحكم ثقافتها المحدودة تلجأ إلى أصحاب "الفكر" (أتحفظ عن كلمة فكر قليلاً) ليفتحوا لها منافذ تستطيع عبرها إقناع الشعب برجاحة رأيها، أو "اجتهاد الفقيه" الذي يصب في مصلحتها حسب الطلب، ولو حدث أن تغير صاحب السلطة، أو تغيرت قناعاته، تعود هذه السلطة مرة أخرى لهذا أو ذاك الفقيه ليجد لها مخرجاً آخر يتفق مع رؤيتها الجديدة المتغيرة، وطبعاً، تخرج الفتوى الجديدة لتتلاءم مع طلبها الجديد والواقع المتغير.
دائماً هناك "منيو" طلبات يعرضها "المثقف، الفقيه، رجل الدين والدنيا" على الزبائن من أصحاب السلطان والقوة، ولهذا الزبون المقتدر أن يختار من القائمة ما يناسب معدة الحكم، وفي الأغلب يقترح "المتر" المثقف الفقيه ما هو الأصلح والأفضل والأشهى من مطبخه الخاص، وتتم "الطبخة" حسب الوصفة، والتي تكون أفضل لمحتكر السلطة، وإن استفرغها الناس وعجزت أمعاؤهم عن هضمها، فهذا ليس من شأن الحكم ولا من شأن عكازاته الفكرية.
لا حاجة، اليوم، إلى أن نستذكر كتابات علي الوردي عن فقهاء السلطان، ولا إبداعات غرامشي أو تلميذه إدوارد سعيد عن المثقف العضوي الذي يقف دائماً على مسافة من السلطة أياً كانت طبيعتها مستبدة أو ديمقراطية، همه بداية ونهاية هو النقد، وهو نقد الواقع والبحث عن المثال "اليوتوبيا". يكفينا الآن أن نتذكر ما نسب للإمام أبي حنيفة النعمان حين قال لتلميذه أبي يوسف متنبئاً لمستقبله: "ستأكل بفقهك الفستق واللوزينج"، وقد أكل، ورحم الله الاثنين.