على فكرة، وقبل أن أدخل في الموضوع، أودّ لفت النظر إلى أن 99.9 في المئة من شعب البحرين لم يعد يثق في أي خطوة أو إجراء أو تلويح بعقوبات ضد من يتجاوز القوانين ويتلاعب بالمال العام ويختلس ويستمر في فساده ليرهق البلاد والعباد ويتسمن هو، خصوصاً إذا كان في الأمر «كبار الهوامير».
و»كبار الهوامير» أصلاً، لم يعودوا يخشون مثل هذه التلويحات، فقد أمن الكثير منهم العقوبة، فازداد في فساده سنين وسنين، وهل أدل على ذلك من تراكم التجاوزات في تقرير ديوان الرقابة المالية؟ لكن، من الممكن جداً أن يصاب «كبار الهوامير» بالخوف والهلع لأن الأوان قد آن ليحاسبوا ويقدموا للعدالة وينالوا جزاءهم نظير أفعالهم وخيانتهم لأمانة الوطن والمواطن، فيرتدع أيضاً «صغار الهوامير» الذين هم قيد التدريب، حين يتم تطبيق القانون بحذافيره على الجميع.
ومع أن الغالبية العظمى من شعب البحرين يتمنون أن ينال كل المفسدين عقابهم الذي يستحقونه، ويتطلعون لأن تنتهي المعادلة السخيفة: «يوجد فساد لكن لا يوجد فاسدون مفسدون»، ومع أنهم فقدوا الأمل لسنين في حصول ذلك، لكن البعض منهم شعر بشيء من التفاؤل الحذر مع صدور توجيهات ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة بشأن تحويل الملفات التي تحتوي على عددٍ من التجاوزات المالية والإدارية الواردة في تقرير ديوان الرقابة المالية إلى النيابة العامة بالتعاون مع جهاز الجرائم الاقتصادية بوزارة الداخلية.
بالنسبة لي، وفي نظري المتواضع، توقفت أمام صياغة عبارة (تحويل الملفات التي تحتوي على عددٍ من التجاوزات المالية والإدارية)، وكمواطن، كنت سأكون أكثر ارتياحاً لو كانت الصياغة كالتالي: «تحويل (كل الملفات) التي تحتوى (كل) التجاوزات المالية والإدارية»، أي ألا ينجو مسئول واحد من «كبار الهوامير» أو صغارها من فعلته الفاسدة التي وقعت طوال العشر سنوات الماضية.
بالتأكيد، من المهم (التعامل مع المخالفات والملاحظات الواردة في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية مع استلام ردود الوزارات على ما ورد في التقرير ضمن مسارين الأول قانوني والآخر إجرائي، وضرورة تنفيذ جوانب إجرائية حول المخالفات والملاحظات الواردة في التقرير غير ذات الشبهة الجنائية وتحديد فترة ستة أشهر كحد أقصى للجهات الحكومية لمراجعة واعتماد السياسات المتعلقة بالرقابة والتدقيق وتطبيق إجراءات جديدة لتفادي تكرار الملاحظات التي ترد بتقارير ديوان الرقابة)، على ألا يتم الاكتفاء بما فعلته بعض الوزارات والأجهزة حين وعدت بتصحيح أوضاعها! بتصححون صحّحوا غصباً عنكم، لكن رؤوس الفساد لا يمكن تصحيحها بردود بروتوكولية هزلية، بل بتوقيع العقوبات التي حدّدها القانون على من يخون الأمانة ويعبث بالمال العام.
لكن، ما هي الخطوات العملية المطلوبة لإيقاف مدّ الفساد المستمر منذ سنين؟ الإجابة ستعيدني معكم إلى يوم الاثنين (28 يناير/ كانون الثاني 2013) في حلقة نقاشية نظمتها الجمعية البحرينية للشفافية حول تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية. في تلك الحلقة خلص المشاركون إلى «ضرورة قيام الحكومة والسلطة التشريعية ومنظمات المجتمع المدني والصحافة بتشديد القبضة على الفساد والمفسدين وفق ما ورد في التقارير التسعة من تجاوزات ومخالفات، مجمعين على (الخطورة الكارثية) لتجاهل حجم الفساد وتجميد التقرير في الأدراج، مع استمرار العبث بالمال العام وحماية المتورطين».
في التقارير، تكرّرت ذات الوقائع من إهدارٍ للمال العام وإساءة استخدام بعض المسئولين لمواقعهم من أجل مصالح غير مشروعة، وما يضاعف سخط المواطنين هو احتواء التقرير على توصيف قضايا فساد واضحة على أنها مخالفات، وهو ما أطلق عليه وجود «فساد بدون فاسدين»، مع تكرار اسطوانة: «جرى تصحيح الممارسات الخاطئة أو بصدد معالجتها»!
حسناً، يمكن التمعن في مقدمة هذا الخبر: «دعت فعاليات إلى محاسبة المتورطين في ديوان الرقابة المالية وتحويل الديوان إلى ديوان محاسبة تكون من صلاحياته الضبط، فيما رأت بأن مكافحة الفساد تحتاج لإرادة سياسية، كما دعت إلى أن يتبع ديوان الرقابة مجلس النواب، وأن يتم إعادة ممتلكات وأراضي الدولة فضلاً عن إمكانية مناقشة التقرير الحساب الختامي للحكومة وإن انقضت دورة الانعقاد». («الوسط»، العدد 4126، الثلثاء 24 ديسمبر 2013).
يا سادة، كبار «الهوامير» ركنوا إلى السلامة والاطمئنان فلا أحد يستطيع محاسبتهم! ومع الدور المهم لديوان الرقابة المالية والإدارية في الرقابة على مؤسسات الدولة، لكن الاكتفاء بالإحتفال بصدور التقرير والتقاط الصور ثم ركن التقرير في الأرشيف، لن ينفع في علاج داء «الفساد»، ولو قُدّر لي بأن أصف شعور المواطن البحريني مستقبلاً حين يتم تطبيق توجيهات سمو ولي العهد، ويتم تقديم الفاسدين إلى العدالة، لقلت أن كل مواطن سيمشي مسروراً ويردّد «البحرين..أمانة»، وهو يحمل لافتة كتب عليها: «صادووووه»… والسلام ختام.