يبلغ عدد عواصم العالم المائتين تقريباً، وحدها الكويت تنفرد بعاصمتها الخالية تماما تقريبا من مواطنيها، فبخلاف مجمع الصوابر، الذي تم أو سيتم إخلاؤه قريبا وهدمه، لا يوجد حضور حقيقي للمواطنين في العاصمة! وكان من الممكن لمجمع الصوابر أن يكون نواة إعادة إسكان عدد أكبر من المواطنين في العاصمة، بعد زيادة مساحتها، وملء ما بها من فراغات مخجلة، إلا أن المشروع فشل بسبب التقاعس الحكومي من جهة، ونقص القوانين الحامية لشاغلي شقق هذا المجمع التعيس من جهة ثانية، وستتكرر مأساة الصوابر، المجمع الذي ترك لمصيره على مدى أربعين عاما دون زراعة ولا حدائق ولا صيانة ولا إدارة ولا حماية، ستتكرر مع مجمعات أخرى قام من بناها ببيع وحداتها للراغبين فيها من دون أن تكون للملاك الجدد للشقق فكرة عن الطريقة التي سيدار بها المجمع، خاصة بعد قيام مالكها الأصلي ببيعها أو وفاته. وتصبح المسألة مربكة حقا مع التزايد الذي نراه في اتجاه المواطنين لامتلاك شقق سكنية في عمارات شاهقة في أجزاء متفرقة من الدولة، في ظل طول قوائم انتظار البيوت الحكومية، ولكن جميع هؤلاء لا يتمتعون بحماية كافية فيما يتعلق بحقوقهم ومسؤولياتهم، أو عن كيفية إدارة المجمع وصيانته، أو التأمين عليه.
إن زيادة مثل هذه المشاريع السكنية بحاجة لتدخل حكومي سريع لتنظيم عملية تملك وإدارة الشقق في العمارات المشاع، إن من ناحية حقوق الملاك أو التزاماتهم تجاه بعضهم البعض، كل حسب نسبة ملكيته، وغير ذلك، هذا غير توضيح لمن يمكن اللجوء في حال وجود خلاف. ففي مجمع الصوابر مثلا كان الوضع يشبه {حارة كل من ايدو الوه».
لقد تكلفت الدولة عشرات الملايين لبناء مجمع الصوابر، وستتكلف أكثر لتعويض سكانه، هذا غير تحمل تكاليف هدمه. ولو قارنا وضعه بمجمع لؤلؤة المرزوق مثلا، الذي بني قبل مجمع الصوابر بسنوات قليلة، مع الفارق في الملكية، لوجدنا أنه لا يزال صالحا للسكن، ولسنوات طويلة قادمة، وارتفع ثمنه عشرات المرات، وكل ذلك لأن صيانته لم تتوقف يوما.
إن حقوق المئات من مالكي الشقق السكنية، الذين هم بازدياد يوميا، في ظل شح البيوت الحكومية، ستضيع، وسيدخلون في متاهات وخلافات مع بقية الملاك واصحاب المشروع، ولن يكون امام هؤلاء حينها غير اللجوء للحكومة لتحل «شرباكتهم»، وبالتالي من الضروري قيام الفتوى والتشريع بتحضير ما يلزم من قوانين تتعلق بكيفية إدارة وصيانة الأملاك الأهلية المشاع، بحيث تحفظ حقوق كل مالك. علما بأن تحضير مثل هذا القانون لا يحتاج لجهد كبير، فهو مطبق منذ مئات السنين في الكثير من دول العالم، ولا يتطلب الأمر غير الاستعانة بأحدها وإجراء ما يلزم من تعديلات عليه، وعملها هذا لا يعفي مشرعينا، المنشغلين هذه الأيام إما بمساءلة الحكومة، بجنون، أو الوقوف معها بجنون أكثر، لا يعفيهم من مسؤولية الاستعجال في اقتراح وإقرار هذا القانون الحيوي.
أحمد الصراف