تكرر سيناريو هروب الكثير من المطلوبين، أو المساجين، من البلاد وخروجهم عبر الحدود الرسمية، البرية والجوية، وبجوازات سفرهم أو بهويات شخصية، بالرغم من وجود أحكام قضائية بحقهم تمنع مغادرتهم، كما تكرر هروب مساجين من قلعة السجن المركزي، أو هروبهم من حراسهم عند اقتيادهم من وإلى المحاكم أو المستشفيات، وما كان بالإمكان وقوع مثل هذه الحوادث الأمنية الخطيرة، لولا تلقي هؤلاء مساعدة، أو «غض نظر»، من بعض رجال أمن، إن بسبب نخوة قبلية أو ميل طائفي! كما تكرر تهريب مواد ممنوعة إلى داخل السجون، كالملابس التي ارتداها آخر من تمكن من الهرب من المركزي. إضافة طبعا لتهريب المخدرات إلى داخل السجن، أو قيام بعض المساجين بإدارة عملية بيعها من الداخل، ومن خلال هواتف نقالة ممنوع استخدامها أصلا! والسؤال هنا لا يتعلق بالكيفية التي تم فيها ارتكاب مثل هذه الجرائم المخلة بأمن البلاد ومصلحتها العليا، والمسيئة لهيبة وسمعة الأجهزة الأمنية فحسب، بل بالوضع العام غير المريح. فهناك شعور طاغ يكتنف أفئدة أعداد متزايدة من المواطنين بأننا مقبلون على سنوات «خراب»، وأن الوضع الأمني والأخلاقي في تدهور مستمر، وأن من صادها عشى عياله، وبالتالي من ليس بإمكانه الإثراء من مناقصة أو عقد توريد أو رشوة من معاملة في الداخلية أو الشؤون، أو فحص العمالة، فعليه إيجاد وسيلة أخرى للإثراء، فثروة الوطن اصبحت بالنسبة للبعض كالماء والعشب في الصحراء، إن لم ترو نفسك منها وتطعم خرافك، فإن الماء سرعان ما سيتبخر والعشب سيجف حتما! كما أن التساهل، وهذا هو الانطباع العام، في تعامل بعض القيادات الأمنية العليا مع مرتكبي هذه الجرائم، دفع الكثيرين لخوض غمار المخالفات والإثراء السريع منها، فإن تم القبض عليهم بالجرم المشهود، فهناك دائما من سيتدخل ويتوسط لهم، وسينتهي الأمر غالبا بلا شيء! ولو نظرنا للقضية التي أثيرت اخيرا عن قيام قيادي أمني في وزارة الداخلية بتزوير أو تمرير أكثر من 2000 معاملة إقامة، لعلمنا حجم الضغوط التي يتعرض لها الشرفاء في جهاز الداخلية في البقاء خارج منظومة الفساد!
ملاحظة: طلبت مني صديقة أن أتفاءل، وأن انشر الخير، وأكتب عن الجوانب المضيئة في حياتنا، وأن ابتعد عن السلبيات، فلا تزال هناك أشياء كثيرة، ومواهب رائعة تستحق الكتابة عنها والإشادة بها، وهي أحق بأن تلقى العناية من الجوانب السلبية.. كلامها صحيح طبعا، ولكن؟!
أحمد الصراف