في برنامج "اسمعني" لقناة الوطن، استمعت لهموم الشباب الباحثين عن لقمة العيش في المشاريع الصغيرة، لكن لا جدوى من استماعي أو استماع غيري من كتاب "املأ الفراغ" لشكوى الشباب، ولو استمع لهم "أكبرها وأسمنها" فأيضاً لا جدوى من استماع الأخيرين، فقد يتفاعل "الكبير" معهم، ويحاول أن يتفهم قضيتهم لكنه في النهاية لا يمكنه، أو لا يريد قلب "النظام" (السيستم) الذي تسير عليه الدولة لعقود، من أجل شكاوى شبابية.
لا جديد في تلك الشكاوى فعمرها يكاد يكون من عمر الدولة، وهي تتلخص في كلمات مثل البيروقراطية القاتلة، وإجراءات غبية في اشتراطات منح تصاريح العمل وأذوناته، وهي قوانين ولوائح إدارية يفترض أنها شرعت لتحقيق المصلحة العامة. كتحديد الحاجة لليد العاملة الأجنبية وجدية المشروع… إلخ، إلا أن تطبيقها أصبح وسيلة للاستبداد والتخبط الإداريين.
دولة "مناديب" (جمع مندوب باللهجة الكويتية) فلا معاملة تتم في الدولة دون "المناديب" الذين هم وكلاء لصاحب العمل، ومهمتهم الوحيدة هي "التفرغ" للاستهلاك البيروقراطي في الدولة، هناك مندوب لوزارة الشؤون، ومندوب لوزارة التجارة، ومندوب لوزارة الداخلية، ومندوب (يعرف من أين تؤكل الكتف) للبلدية والأشغال… والقائمة لا تنتهي مع "ديرة الله لا يغير علينا"، ورغم وفرة المندوبين فإن إمبراطورية الموظف العام تفرض، في أكثر الأحيان، حضور صاحب المعاملة شخصياً حتى يتم إذلاله.
الوافدون (العمالة الأجنبية) تشكل ضعفي عدد السكان، ومع ذلك يشكو الشباب من شح الأيدي العاملة، ورفض وزارة الشؤون التصريح لهم باستقدامها من الخارج… أين العلة في هذه الدولة إذاً إن لم تكن غير التقنين الرسمي لحالة الفساد الإداري، وإلا كيف لنا أن نفهم مثل تلك المعادلة في بلد متضخم من عمالة زائدة ويشكو الشباب من شح العمالة في آن واحد! هو فساد متمثل في الاتجار بالعمالة (سوق نخاسة الكويتي أو نظام الكفيل)، وهو، أيضاً، فساد بصور أخرى مثل دفع الرشوة للموظف العام حتى تنجز المعاملة، وهو فساد في تفشي المحسوبية والواسطة كي تنهي المعاملة في دولة المعارف والمقربين، وهو الفساد الذي وضع الدولة في قمة قائمة الأكثر فساداً بين دول الخليج في تقرير منظمة الشفافية الدولية، الفساد هنا يمتد من القرار السياسي بمعنى سلطة إصدار القرار إلى القرار الإداري بمعنى تنفيذ ذلك القرار… من يسمعكم يا شباب؟! كثيرون يستمعون لكم… لكنهم لا يمكنهم أن يفعلوا شيئاً لكم… "الشق عود" في الثوب الكويتي، وليس لدينا خياط يرتقه… هناك ترزية كثيرون لكن ليس من أجلكم، بل من أجلهم… أعتقد أنكم عرفتمو (هم).