أحد الذين غطى إبداعهم الشعري على موهبة السخرية لديهم، حافظ إبراهيم، رحمه الله… إذا اعتدل مزاجه، ورقص أمامه شيطان السخرية، فمن الأفضل ألا تكون أنت فريسته. كان "ضغّيطاً" فاخراً.
ذات مشوار… كان في حافلة المواصلات، الباص، فحدث أن داس، نتيجة الازدحام، على قدم أحدهم من دون قصد، فتألم صاحب القدم وصرخ في وجه حافظ: "ما تحترم نفسك يا غبي… هو أنت أعمى؟"، فرد عليه حافظ: "هتغلط هرزعك قلم"، فانتفض صاحب القدم: "أنا بحذرك… أنت ما تعرفش أنا مين؟"، فأفلتت ضحكة عالية من فم حافظ إبراهيم، وأجابه وهو ينتزع كلماته من بين قهقهاته: "هتكون مين يعني؟ عاوز تقنعني إنك مهم؟… هاهاها… مهم ومعندكش أتومبيل يوصلك مشاويرك وجاي تزاحمنا في الأوتوبيس؟… مهم وقميصك وسخ زي وشك؟… مهم وملطوع معانا في مصر (القاهرة) في شهر أغسطس وسايب الساحل الشمالي؟… امشي (امشِ) من قدامي الساعة دي يا أستاذ مهم".
ويتفشخر الكويتي في حديثه مع المارة وعابري السبيل ويفاخر: "أنتم ما تعرفوش أنا مين؟"، فيتضاحك سكان الكوكب: "هتكون مين يعني؟… مليارات الدنانير في بلدك لا حصر لها ولا خصر، ومع ذا لا تجد سريراً في غرفة العناية المركزة… مليارات الدنانير في بلدك لم توفر لك سيارات إسعاف مثل بقية خلق الله… مليارات الدنانير في بلدك لم توفر لك سكناً يلم شمل أسرتك… مليارات الدنانير في بلدك لم توفر لك كهرباء بمستوى قرية نائية في دولة إفريقية… تفتخر أيها الكويتي بماذا؟ أو بمَ، كما يقول الفصحويون؟… تفتخر بأن بلدك عجز عن بناء ملاعب كرة قدم ومسارح مثل بقية الدول رغم أن بلدك من أهم دول "أوبك"؟ تفاخر بأن مسؤولاً فاسداً واحداً لم يتم سجنه في حين يصطف المعارضون طوابير أمام المحققين ووكلاء النيابة؟ ينتفخ صدرك زهواً على ماذا؟ على انخفاض مستوى الحريات في بلدك… تفاخر بماذا يا أستاذ المهم؟"
أيها الكويتي… امشي من قدامي الساعة دي.
الشهر: نوفمبر 2013
أحوال صناعة الطيران العربي
عقد الاتحاد العربي للنقل الجوي جمعيته العامة السادسة والاربعين في دولة قطر قبل ايام قليلة بحضور رؤساء شركات الطيران العربية والاقليمية ورؤساء منظمة الاياتا والهيئة العربية للطيران المدني والشركات المصنعة والمؤجرة للطائرات ورجال الصحافة والإعلام العربي والدولي.
* * *
وقد ترأس السيد أكبر الباكر الرئيس التنفيذي للقطرية اجتماعات الجمعية العمومية التي قدم خلالها السيد عبدالوهاب تفاحة أمين عام اتحاد النقل العربي تقريرا عن صناعة الطيران في المنطقة العربية والتحديات التي تواجهها حيث اوضح ان الاسطول العربي قد ارتفعت اعداد طائراته خلال العشر سنوات الماضية من 486 الى ما يقارب الالف طائرة، كما نقص معدل عمر طائراته من 11.3 عاما الى 7.2 اعوام هذه الايام، ونمت حركة الركاب عبر المطارات العربية من 101 مليون الى 255 مليون راكب وهي الاعلى نموا في العالم وهو ما يثبت ان قطاع الطيران تحول من واسطة نقل الى اداة فاعلة في التنمية والرفاه والتطور ومشاريع التحول للمراكز المالية والسياحية.
* * *
ومن التحديات التي تواجه صناعة الطيران القرارات المنفردة للاتحاد الاوروبي فيما يخص انبعاثات الكربون من محركات الطائرات القديمة التي وصفها السيد توني تايلر أمين عام منظمة الاياتا في كلمته بأنها تمثل صدمة مرعبة لجميع شركات الطيران التي لم تعد تحتمل المزيد من الغرامات والتضييق مذكرا بأول رحلة تجارية قامت قبل مائة عام عندما حملت طائرة ذات مقعدين راكبا من خليج تامبا في رحلة استغرقت 23 دقيقة كان ثمن تذكرتها آنذاك 400 دولار متحسرا على هامش ربح ذلك الزمان لمحدودية هامش ربح عالم الطيران هذه الأيام.
* * *
آخر محطة: 1 – مازال عالم الطيران وسيلة النقل الاسرع والآمن حيث تم العام الماضي نقل 3 مليارات راكب و50 مليون طن من البضائع دون حوادث.
2 – انبهار العالم بعالم الطيران المثير جعله دون غيره الأكثر تعرضا لاصدار القوانين الضاغطة عليه والمعرقلة لعمله والمخففة من هامش ربحه.
يا جبل ما يهزك ريح
وزير الصحة الشيخ محمد العبدالله حتى الآن ثابت في مكانه، فحاله من حال الوزراء "الشيوخ"، هم جبال "ويا جبل ما يهزك ريح"، والريح هو النقد المر والطويل من الصحافة والمغردين والأطباء لقرار الوزير المتعسف بنقل د. كفاية من قسم العناية المركزة بالمستشفى الأميري إلى مكان ما يعتقد معاليه أنه أفضل للعمل، هذا طبيعي فهو شيخ، والشيوخ، كما نقول ونكرر بكل ملل دائماً ابخص. الوزير "الجبلي" لم يعلِّق على ردود الفعل على قراره الجائر بغير عبارة أن ما فعله مجرد إجراء عادي روتيني يخضع له الكثيرون كفاية وغير كفاية، وانتهى معاليه، وأغلق ملف القضية عنده وعند حكومته التي تحاضرنا وتعظنا عن الإصلاح وتنبهنا أن الأيام الحلوة في الدولة قد ولَّت، وشعار الحكومة في القادم سيكون "يا شعب شد الحزام" والشعب المتحزّم هو أنتم، لا "الناس اللي فوق"، ويا كافية كفاية علينا وعليك وتقبلي القدر والمقسوم في دولة الوزراء الجبليين!
المثل يقول مَن أَمِن العقوبة أساء الأدب، ومع أن الوزير الشيخ محمد العبدالله لا يستحق أن نصفه بأنه أساء الأدب إلا أنه أساء استعمال السلطة، وانحرف عن الغرض المطلوب بتحقيق المصلحة العامة في قرار النقل وابتغى المصلحة الخاصة بإرضاء أحد النواب العاملين في الإدارة الحكومية واسمها اليوم مجلس الأمة! ومع ذلك يصح القياس على المثل السابق ونقول إن هذا الوزير ومن معه من الوزراء الجبليين يصنعون ما يريدون ولا يكترثون لأي حساب برلماني مزعوم أو صحوة رفض شعبية يمكن أن تهز أركانهم، فالوزارة (والدولة بمعنى أكبر) هي مزرعة خاصة، ولهم أن يصنعوا فيها ما يشاؤون، فمهما كثر النقد أو التذمر من عمل هذا المسؤول أو ذاك الوزير، ومهما ساءت أحوال "الرعية" من ممارسة استبداد الأقلية "الأولغارشية" المهيمنة على مقادير الدولة والمجتمع فلن يكون هناك مساءلة حقيقية تضع الأمور في نصابها الصحيح كما يُفترَض في دولة حكم القانون لا في دولة حكم الأمزجة.
للتذكير فقط، أقول إنها ليست قضية الوزير الشيخ محمد العبدالله، وليست هي كذلك حكاية نقل طبيبة لا حول لها ولا قوة من مكان عملها، بل هي قضية غياب روح المسؤولية عند أصحاب البشوت السوداء ومَن في حكمهم من الدائمين على الكراسي العالية، فلا أحد يحاسبهم ولا أحد يجرؤ على تحريك شعرة من مقاماتهم السامية، والقضية أيضاً هي غياب الحراك الشعبي الفاعل، فكل ما حدث ويحدث ليس أكثر من زوبعة في فنجان، هو رفض لاستبداد سلطوي قصير النفس، وهو ردود فعل متواضعة، تنفعل في لحظات، ثم تنسى بعدها في لحظات أخرى، وهذه هي المصيبة الحقيقية.
صواريخ أميركا وصواريخ العبيد
في سبتمبر 1959 وصلت مركبة Luna2 السوفيتية للقمر، مما شكل صدمة للأميركيين، فتعهد الرئيس كنيدي بوضع رجل على ذلك الكوكب خلال عقد واحد، ونجحت اميركا في يوليو 1969 في إيصال آرمسترونغ لسطح القمر! ومنذ 45 سنة و«علماؤنا» يحاولون بشتى الطرق نفي الواقعة، وعندما أعياهم الأمر، أمام سيل البراهين، تبرع عثمان الخميس بشرح «حقيقة» ما حدث قائلا: ان الوصول للسماء لا يمكن أن يتحقق بغير إذن إلهي، وأميركا لم تحصل على الاذن، وبالتالي فإن القمر الذي نزلوا عليه ليس في السماء، بل على مشارفها! أما زميله طلال فاخر، فقد زف للمؤمنين اكتشافه المتعلق بما يحدث للأدعية، بعد أن شعر بأن البعض اصبح يداخله الشك في جدواها، حيث ذكر أن الدعاء عندما يرتفع للسماء فإن أمامه 3 احتمالات: إما أن يتحقق ويحصل الداعي على طلبه. أو يصعد الدعاء، ولكن في طريقه يلتقي ببلاء نازل على الداعي، فيتصارع الدعاء مع البلاء إلى الأبد، واما أن يقبل الدعاء، ولكن حسناته تدفع يوم القيامة للداعي! وفي برنامج تلفزيوني سأل مقدمه يوسف القرضاوي عن رد فعله، لو صحت نظرية داروين، فقال انه عندها سيعيد تفسيره للقرآن! وبز صالح اللحيدان هؤلاء جميعا بتفسيره عن سبب حرمان المرأة من قيادة السيارة، قائلا ان جلوسها خلف المقود لفترة طويلة يتسبب في الضغط على حوضها، وهذا سيضغط على مبايضها ويؤثر بالتالي في الحمل! وقال ان نساء أوروبا، خصوصا الارجنتين وبيرو(!!) ليس لديهم غير طفل أو اثنين، بسبب خلل وظيفي في المبايض، وليس تحديدا للنسل!
اما القارئ في حسينية بوحمد، فيقول ان رهطا من المؤمنين كانوا برفقة أحد الأئمة في قافلة، وعندما حان موعد صلاة الظهر لم يوقف القافلة لأدائها، وما أن بلغوا موقعا آمنا في مساء ذلك اليوم، حتى أمر الشمس لكي تعود ليصلوا الظهر في موعده! وله خطبة أخرى قال فيها ان فلانة عطشت في الصحراء، وكادت أن تموت، فرفعت يديها للسماء داعية فنزل لها من السحاب «سطل» شربت منه، وبقيت 7 سنوات بعدها لا تشرب الماء!
نصوص الأحاديث أعلاه موجودة على موقع اليوتيوب، وبإمكان الجميع الوصول اليها بسهولة، او طلبها منا! وهي تبين أن العالم كان في السابق يضحك على قلة عقلنا، ثم تغير الأمر وأصبح يشعر بالرثاء لنا، أما الآن فقد اصبح يشعر بالخوف من تدهور فهمنا، وتحولنا لأن نصبح خطرا على السلام العالمي! والأخطر من كل ذلك أن لا أحد بإمكانه وقف هذا الدمار العقلي!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
العربي والنفسي
يقول زميل إن العرب يمقتون مراجعة أطباء النفس، ويشعرون بالإهانة لو طلب منهم مراجعة هؤلاء! كما يشكون في عقل من يراجعهم، ويعتبرونه مصابا بجنون ما، يحدث ذلك على الرغم من الحقيقة، التي تقول ان مريض العقل عادة لا يرى نفسه، أو جنونه، ولا الناس يرونه، الا اذا تطور مرضه الى سلوك عنيف!
وقال الزميل انه لاحظ أن الغرب عموما، والدول الإسكندنافية خصوصا، منسجمون مع أنفسهم، وأن نفسيتهم كشوارعهم، مستقيمة سهلة، تكاد تنعدم فيها المطبات والمنعطفات الوعرة، كحياتهم الخالية من العقد، وهذا عائد حقيقة إلى أنهم لا يترددون في مراجعة الطبيب النفسي، بعكس معظم العرب الذين أخفوا امراضهم العقلية وكأنها فيروسات ضارة، وبالتالي أخفوا جنونهم، الذي يتسبب يوميا في قتل بعضهم البعض بكل وحشية، والدخول في معارك كلام وشتائم، وحتى تشابك بالأيدي واستخدام الأحذية لأتفه الأسباب. وليس بعيدا عنا ما تكرر وقوعه في مجمعات الكويت من شجار بين مجاميع شباب النظر، مجرد النظر شذرا للآخر، وهي نظرات ذهب ضحيتها أكثر من بريء! ولا ننسى طبعا قصة المواطن البحريني الذي «ضبط متلبسا» يصلي في مسجد اكتشف انه لا يعود لطائفته، فأوسعه أهالي المنطقة ضربا وسلموه للمخفر الذي تولى «شحنه» الى بلده، بدلا من الاقتصاص له ممن اعتدوا عليه!
وفي عالمنا لا يهم أن نقول الصدق، ونأخذ جانب الحق وندافع عنه، بل المهم أن نؤدي الفرائض جهرا، ولا نشرب الخمرة، والباقي سهل!
ويتساءل الزميل: كم رئيساً عربياً قتلنا؟ وكم حرباً اهلية أشعلنا؟ وكم حرباً دخلنا، داخليا وخارجيا، وبين بعضنا البعض؟ وكم ملكاً خلعنا؟ وكم رئيساً شنقنا وسحلنا؟
ويقول انه سافر وشاهد مصلين ومصليات، صائمين وصائمات، مسلمين ومسلمات، عرباً وعربيات، ممن سبق أن عاثوا فسادا في أكثر من أرض وأكثر من حرب هنا وهناك، وفجأة اصبحوا، بعد فترة قصيرة، حجاجا بأردية بيضاء ولحى مسجاة، بعد ان تخلصوا مما علق بايديهم من جرائم، بالمسح على الحجر الاسود.
سرقوا بلدا بالكامل ومسحوا ايديهم بالحجر الاسود، وقتلوا الآلاف، وفعلوا الشيء ذاته، ويستمر اقتتالهم، الحقيقي، على من يذهب للحج قبل غيره. العراقيون قتلوا بعضهم البعض، واللبنانيون فعلوا الأمر ذاته، وزايد عليهم الفلسطينيون، ونافسهم الجزائريون في عدد القتلى، والشيء ذاته قام به المصريون، لاحقين بالسوريين، والسودانيون، الذين لحقوا بهم، وشاركهم، في عزف ملحمة الذبح البائس، الليبيون والتونسيون! وقائمة المرضى طويلة، ولكن مع هذا لا أحد يود مراجعة الطبيب النفسي!
أحمد الصراف
زيارة واحدة… سألتكم بالله!
استجواب رياض تشخيص لأمراض الدولة
ذكريات الجابرية ورماد الروضة
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
ليس من السهل على أي كويتي عاش مرحلة «غزو صدام»(*) للكويت أن ينسى مجريات 220 يوماً من الرعب والقتل والتشريد. فقد كانت تجربة رهيبة، فخلال ساعات أصبح ما «يساويه» المواطن أو المقيم ماديا لا يزيد على ما بجيبه من مال! فلا عقارات ولا أسهم ولا أرصدة مصرفية، فمن امتلك ألف دينار نقدا، كان أكثر غنى من صاحب الأسهم والعمارات. كما أصبحت حياة الإنسان لا تساوي «قندرة» عند الغازي، بعد أن محيت مقومات الدولة من الوجود، وألغي كيانها، فلا حكومة ولا جيش، ولا وجود فعال لأي مؤسسة، غير تلك التي اختار بعض المواطنين، وبمساعدة فعالة من مقيمين أوفياء، الاستمرار في إدارتها، كالكهرباء والماء! وقد استعدتُ ذكريات تلك الأيام، التي سأكتب عنها الكثير، وأنا أقرأ مذكرات الأخت إقبال العثيمين، في كتابها «رماد الروضة»، الذي أتمنى عليها أن تعيد كتابته وتضيف إليه الأكثر، ومع هذا فهو يستحق القراءة لمن عاش أو لم يعش أحداث تلك الفترة، التي كنت وأسرتي في الكويت عندما وقعت، وكان قراري البقاء وعدم المغادرة. وكنا قد انتقلنا قبلها بيوم للعيش في بيتنا الجديد، الذي لم يكن يحتوي إلا على الضروري من الأثاث، فغالبيته كانت لا تزال بحاوياتها. وأخبرني جاري بعدها بسنوات أنه أعجب بمثابرتي أثناء الاحتلال عندما رآني أقوم بمساعدة سائقي، بإجراء تشطيبات خارجية على البيت، وبناء ممر لدخول السيارات للداخل. ولكني اضطررت، وبعد صمود لم يطل كثيرا، للخروج من الكويت لسببين، أولهما ما سمعته من الـ«بي بي سي» عن قيام صدام بإرسال عمر غني، وهو سفير سابق في الكويت، لمصادرة كل وثائق وزارة الخارجية الكويتية، وغيرها! وحيث إنني سبق أن اختلفت مع هذا الأفاق في أكثر من حفل دبلوماسي، عن مسؤولية صدام الشخصية عن بدء الحرب العراقية – الإيرانية، وما وردني من تحذيرات من أكثر من صديق سفير من قدرة ذلك الشخص على الإضرار بي وقتها، إلا أنني لم أعبأ بذلك، ولكن عودته للكويت جعلتني أشعر بالخوف من أن يقوم بمصادرة حياتي، مع وثائق الحكومة الكويتية. كما كان السبب الثاني للمغادرة ما قام به جنود الاحتلال من مصادرة للأدوية المهمة من كل المستشفيات، التي كان ابننا طارق، بأمسّ الحاجة إلى البعض منها! وهناك قصص أخرى عن الغزو والاحتلال سنتطرق إليها بين الفترة والأخرى قبل أن تضمها دفتا كتاب قيد الإنجاز!
(*) الوصف الصحيح لغزو القوات العراقية للكويت في 1990/8/2، هو الغزو الصدامي وليس العراقي، كما جرت العادة، لأن من أمر بالغزو وقام به هو شخص واحد، وليس شعبا! ولهذا يوصف ما قامت به أميركا في العراق بالغزو الأميركي، لأن المؤسسة الأميركية المنتخبة والممثلة لشعب الولايات المتحدة هي التي قامت به، وليس فردا دكتاتورا!
قتل الثعبان وكسر السلم!
في الصغر كانت أشهر لعبة يمارسها أطفال الكويت هي لعبة السلم الذي يصعد بك من أدنى الأرقام إلى أعلاها دون حساب، والثعبان الذي يبتلعك فينزلك من أعلى الأرقام إلى أدناها دون حساب، واضح أن تلك اللعبة قد رسخت وتجذرت بالأذهان فبات كثيرون يمارسونها على كبر دون شعور مما أدى بالتبعية إلى تدمير وتخلف البلد.
***
وخارج إطار تلك اللعبة الخطيرة التي سنتطرق في الفقرة الثانية لكيفية ممارستها في الكويت على جميع المستويات والأصعدة، نذكر أننا جميعا ضد الفساد وتضخيم أسعار العطاءات والرشاوى المصاحبة للصفقات الكبيرة، وضد السمعة السيئة التي تنتشر حول بلدنا من أنه لا صفقة ولا عمل يتم في الكويت دون عمولة مما جعلنا نهوي في مؤشرات الشفافية الدولية التي باتت رويدا رويدا تشبه مؤشرات حقوق الإنسان التي بدأت دون أن يكترث بها أحد، وانتهت بأن أصبحت الأنظمة والدول تتساقط طبقا لمؤشراتها.
***
وملخص عملية السلم والثعبان الاقتصادية المحلية أنه بعد البداية الصفرية للمتنافسين على مشاريع الدولة المختلفة، تبدأ أحيانا لعبة السلم (الواسطة، الرشاوى) بالعمل فيسبق متسابق زملاءه الآخرين دون وجه حق، وأحيانا يحدث العكس فما يكاد منافس يقترب من نقطة النهاية حتى يجد نفسه في فم ثعبان ضخم (الفساد، الرشاوى المضادة) يرجعه إلى نقطة البداية، وبين السلم والثعبان تتهاوى أعمدة التنمية في البلد وتسبقنا بلدان مجاورة يقوم التنافس فيها على النزاهة والثقافة وتكافؤ الفرص بعد أن قتلت الثعبان و.. كسرت السلم!
***
آخر محطة: ما يعقد فهم لعبة السلم والثعبان بالكويت، أن هناك دائما ضبابا يجعلك لا تعلم قط أيهما الثعبان وأيهما السلم، ومن الصح ومن الخطأ في هذه العملية أو تلك! وفي ذلك الغموض ظلم ناجز لأهل الحق ونصر ماحق لأهل الباطل.
تعالوا نغنِّ مع سنغر
تعتبر مكائن سنغر Singer، التي سميت كذلك على اسم مخترعها الأميركي ايساك سنغر، وليس لأن صوتها وهي تعمل يشبه الغناء، كما كنت أعتقد، تعتبر من أقدم مكائن الخياطة وأكثرها شهرة وانتاجا في العالم، فقد صنعت أول ماكينة منها عام 1851، ووصل انتاج مصانعها عام 1873، أي قبل 140 عاما، لأكثر من 250 ألف ماكينة. وقد توقفت الشركة عن انتاج هذه المكائن وتحولت لانتاج الأسلحة أثناء فترة الحرب العالمية الثانية. واليوم يبلغ ثمن المسدس الأثري، أو ما تبقى منه، والذي كانت تنتجه الشركة في تلك الفترة، والذي امتاز بجماله ودقته، أكثر من 80 ألف دولار. وبالرغم من ان الشركة عادت لانتاج آلات الخياطة بعد الحرب، وحققت أرباحا طائلة، وظفتها في شراء وبناء عدة ناطحات سحاب في نيويورك في بداية القرن الماضي، والتي لا تزال حتى اليوم شامخة ومميزة بتصاميمها، فانها قامت عام 1960 بتنويع استثماراتها وشراء مصانع حاسبات والكترونيات، وأنظمة الجي بي اس GPS، الخاصة بتحديد المواقع، ومصانع لانتاج قطع غيار المحطات النووية، ولكن الشركة سرعان ما واجهت عام 1987 مصاعب مالية وادارية، نتيجة تقديم منافساتها لمنتجات أفضل وأقل كلفة، وبالتالي اضطر اصحابها لبيعها بالكامل، وقام الملاك الجدد بتفتيت وحداتها وبيعها لآخرين، ولم تتعاف الشركة كليا منذ يومها، بعد أن زادت شراسة منافسيها من منتجي مكائن الخياطة الكهربائية من الآسيويين وحتى الأوروبيين.
عرفت الكويت مكائن سنغر عام 1907، كما ذكر السيد محمد جمال، المؤرخ والمعني بتوثيق التراث الكويتي القديم، وأول من أحضرها للكويت واستخدمها كان مبارك العصفور. وأول من جلب مكائن خياطة سنغر للكويت كان فخري السيد عام 1930 ثم أصبح محمد أمين، والذي اشتهر بـ «أمين سنغر»، وكيلا لها، وحقق من وراء ذلك ثروة. وكان له بيت كبير ومميز في موقعه ولا يزال ربما حتى اليوم في مكانه على دوار قصر دسمان، وعلى 3 شوارع، وان كان مهجورا منذ عقود! وقال السيد جمال ان أول من عمل في اصلاح آلات الخياطة كان عمر عاصم، الذي اشتهر بعدة مهارات، اضافة لمعرفته الدينية والتدريسية!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com